وكان الأمل يحدّث بأنه يشدّ للمولى أزره، ويشرح ببرّه صدره، ويؤثّل مجده، ويبقي الذكر الجميل بعده، ففقد من بين أترابه، وذوى عندما أينع غصن شبابه، وغيّب منظره الوسيم في لحده وترابه، وسيّدنا يعلم أنّ الموت منهل لا بدّ من ورده «١» ، وابن آدم زرع لا بدّ من حصده، وأنّ المنية تشمل الصغير والكبير، والجليل والحقير، والغنيّ والفقير، فينبغي له استعمال صبره، والاستبشار بمضاعفة أجره، والله يمتّعه بأهله وطول عمره.
وله «٢» (كامل)
لهفي وما لهفي عليك بنافع! ... كلّا ولا وجدي ولا حرقاتي
يا من قضى فقضى سروري بعده ... وتحدّرت أسفا له عبراتي
عقد التجلّد حلّها فرط الأسى ... والقلب موقوف على الحسرات
لو كنت ممّن يشترى أو يفتدى ... لفديت بالأرواح والمهجات
كنت المعدّ لنصرتي في شدّتي ... فقضى الحمام «٣» بفرقة وشتات
والله لا أنسيت ندبك والبكا «٤» ... أبدا مدى الأنفاس واللّحظات
ويسوءني أن عشت بعدك ساعة ... أسفا لفقدك ميّتا وحياتي
أعظم الله أجر مولانا ومنحه صبرا جميلا، وأجرا جزيلا، وثناء عريض الشّقّة لثباته على هذه الفادحة طويلا، وجعل هذه الرزيّة خاتمة الرّزايا، وممحّصة جميع الذنوب والخطايا، ولا فجعه بعدها في قرّة عين، ولا أورد محبوبا شغف به قلبه الكريم منهل الحمام ولا سقاه كأس الحين «٥» .