يشرب من ضرع العنز؟ قال لا، قال مخافة أن يسمع صوت الحلب فيطلب منه، ثم قال اشعر الناس من فاخر بهذا الأب ثمانين شاعرا وقارعهم فغلبهم.
قال الصلاح الصفديّ: ما هذه إلا وقاحة عظيمة من جرير في مفاخرته أولئك الشعراء وهذا أبوه، لكنه تغفر له هذه الوقاحة باعترافه لذلك الرجل، وإظهار بخل أبيه.
وربما كان الافتخار بالتورية والتعريض بالأمور المقتضية للشرف، بحيث يظن السامع حقيقة الافتخار والشرف بمجرد السماع، فإذا عرف المقصد تبين له خلاف ذلك، كقول أبي الحسن الجزار: «١»
الاقل للّذي يسأل ... عن قومي وعن أهلي
لقد تسأل عن قوم ... كرام الفرع والأصل
يريقون دم الأنعام ... في حزن وفي سهل
وما زالوا لما يبدو ... ن من باس ومن بذل
يرجّيهم بنو كلب ... ويخشاهم بنو عجل
وقوله أيضا:
إنّي لمن معشر سفك الدّماء لهم ... دأب، وسل عنهم من ربّ تحقيق
تضيء بالدّم إشراقا قواضبهم ... فكلّ أيامهم أيّام تشريق
وعلى هذا المنهج ما حكاه بعضهم، قال: وجدت على قبر مكتوبا: أنا ابن من كانت الريح طوع أمره، يحبسها إذا شاء، ويطلقها إذا شاء، قال فعظم في عيني، ثم التفتّ إلى قبر آخر قبالته فإذا عليه مكتوب: لا يغترّ أحد بقوله، فما كان أبوه إلا بعض الحدّادين، يحبس الريح في كيره إذا شاء، ويرسلها إذا