ثم الذي رأيته في دستور معتمد ينسب للمقرّ العلائيّ بن فضل الله أنه يكون بين كلّ سطرين قدر ربع ذراع. وأخبرني بعض فضلاء الكتّاب أنه رأى في بعض الدساتير أنّ سطوره تكون مزدوجة على نظير البسملة والسطر الأول، وبين كل سطرين بعد بيت العلامة تقدير خمسة أصابع مطبوقة.
قلت: ولعل ذلك تفنّن من الكاتب وتطريز للكتابة، لا على سبيل اللّزوم.
فإن قيل: لم كان مقدار البياض بين سطور العهد مع كبر قطع الورق دون بياض ما بين سطور التقاليد ونحوها مما يكتب عن السلطان على ما سيأتي ذكره؟
فالجواب أن العهد كالمكاتبة من العاهد للمعهود إليه، كما أنّ التقليد كالمكاتبة من المقلّد للمقلّد، والأعلى في حقّ المكتوب إليه أن تكون السطور متضايقة على ما تقدّم في الكلام على المكاتبات؛ فناسب أن تكون سطور العهد أكثر تقاربا من سطور التقليد وما في معناه، تعظيما لشأن السلطان في الحالتين.
فإن قيل: ينقض ذلك بعظم قلم العهد، ضرورة أنه كلّما غلظ القلم كان أنزل في رتبة المكتوب إليه على ما تقدّم أيضا، فالجواب: أن غلظ القلم في العهد تابع للورق في كبر قطعه، وقاعدة ديوان الإنشاء أنه كلّما كبر قطع الورق في المكاتبات، كان تعظيما للمكتوب إليه، بدليل أنّ كلّ من عظم مقداره من الملوك كان قطع الورق في مكاتبته أكبر، ولو كتب العهد بقلم دقيق مع ضيق السّطور وسعة الورق لجاء في غاية القصر. ثم قد جرت العادة أن تكون كتابة العهد من أوّله إلى آخره من غير نقط ولا شكل، وعليه عمل الكتّاب إلى آخر وقت.
قلت: هذا بناء على المذهب الراجح في أن المكاتبة إلى الرئيس تكون من غير إعجام ولا ضبط: لما في الإعجام والضّبط من استجهال المكتوب إليه ونسبته للغباوة وقلّة الفهم، بخلاف من ذهب إلى أن الكتابة إلى الرئيس تقيّد بالإعجام والضبط كي لا يعترضه الشكّ، ولا يكلّف إعمال الفكر، على ما تقدّم ذكره في أوائل المكاتبات، فإنه يرى نقط العهد وشكله.
وإذا انتهى إلى آخر العهد كتب المشيئة، ثم التاريخ، ثم المستند، ثم