النوع السابع عشر المعرفة بخزائن الكتب، وأنواع العلوم، والكتب المصنفة فيها وأسماء الرجال المبرّزين في فنونها؛ وفيه مقصدان
المقصد الأوّل في ذكر خزائن الكتب المشهورة
قد كان للخلفاء والملوك في القديم بها مزيد اهتمام، وكمال اعتناء، حتّى حصلوا منها على العدد الجمّ، وحصلوا على الخزائن الجليلة. ويقال إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن:
إحداها- خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد
، فكان فيها من الكتب ما لا يحصى كثرة، ولا يقوم عليه نفاسة، ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتر بغداد، وقتل ملكهم هولاكو المستعصم آخر خلفائهم ببغداد، فذهبت خزانة الكتب فيما ذهب، وذهبت معالمها، وأعفيت آثارها.
الثانية- خزانة الخلفاء الفاطميين بمصر
، وكانت من أعظم الخزائن، وأكثرها جمعا للكتب النفيسة من جميع العلوم على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب مملكة الديار المصرية في المقالة الثانية. ولم تزل على ذلك إلى أن انقرضت دولتهم بموت العاضد آخر خلفائهم، واستيلاء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على المملكة بعدهم، فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة، ووقفها بمدرسته الفاضلية بدرب ملوخيا بالقاهرة، فبقيت فيها إلى أن استولت عليها الأيدي فلم يبق منها إلا القليل.
الثالثة- خزانة خلفاء بني أميّة بالأندلس
؛ وكانت من أجلّ خزائن الكتب أيضا. ولم تزل إلى انقراض دولتهم باستيلاء ملوك الطوائف على الأندلس، فذهبت كتبها كلّ مذهب.
أما الآن فقد قلّت عناية الملوك بخزائن الكتب، اكتفاء بخزائن كتب المدارس التي ابتنوها من حيث إنها بذلك أمسّ.