وإلى قول طرفة:
لعمرك إنّ الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطّول «١» المرخى وثنياه في اليد
وإلى قوله:
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
وإلى قوله الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
فإنك تجد هذه الأشعار في الطبقة العليا من البلاغة، وإن خلت من المبالغة؛ والذي يدل على أن مذهب أكثر الفحول ترجيح الصّدق في أشعارهم على الكذب ما روي عن الحرورية امرأة عمران بن حطّان قاضي الصّفريّة من الخوارج أنها قالت له يوما: أنت أعطيت الله تعالى عهدا ألّا تكذب في شعرك، فكيف قلت:
فهناك مجزأة «٢» بن ثور ... كان أشجع من أسامه «٣» ؟
فقال: يا هذه، إن هذا الرجل فتح مدينة وحده وما سمعت بأسد فتح مدينة قط، وهذا حسان يقول:
وإنما الشعر لبّ المرء يعرضه ... على المجالس، إن كيسا وإن حمقا
وإنّ أشعر بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا
على أن هؤلاء الفحول وإن رجّحوا هذا المذهب لا يكرهون ضدّه، ولا يجحدون فضله، وقلّما تخلو بعض أشعارهم منه؛ إلا أن توخّي الصدق كان الغالب