أقول لنفسي حين خوّد رألها: ... رويدك «١» لما تشفقي حين مشفق
رويدك «٢» حتّى تنظري عمّا تنجلي ... عماية هذا العارض المتألّق
والرّأل: النعام «٣» ، والمراد أن نفسه فرّت وفزعت، شبه بإسراع النعام في فراره وفزعه، فلما أورد ذلك على سبيل المجاز زال بعض القبح.
قال: وهذا يدركه الذوق الصحيح، فهي في بيت أبي تمّام قبيحة سمجة، وهاهنا بين بين، ويقاس على ذلك أشباهه ونظائره.
النمط الثاني-
ما يترجح فيه فعل الأمر والمستقبل في الاستعمال على الفعل الماضي وذلك في مثل لفظة ودع، وهي فعل ماض ثلاثيّ لا ثقل بها على اللسان، ومع ذلك فإنها لا تستعمل على صيغتها الماضية إلا جاءت غير مستحسنة، فإذا استعملت على صيغة الأمر أو الاستقبال جاءت حسنة بهجة رائقة؛ أما على صيغة الأمر فكما في قوله تعالى: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا*
«٤» ولم ترد في القرآن الكريم إلا على هذه الصيغة؛ وأما على صيغة الاستقبال فكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد واصل في شهر رمضان فواصل معه قوم، فقال: «لو مدّ لنا الشّهر لواصلنا وصالا يدع له المتعمّقون تعمّقهم» . وقد استعملها أبو الطّيّب على هذا الوجه في قوله:
تشقّكم بقناها كلّ سلهمة «٥» ... والضّرب يأخذ منكم فوق ما يدع
فجاءت في كلامه بهجة رائقة، وأما الماضي من هذه اللفظة فلم يستعمل إلا شاذا ولا حسن له، كقول أبي العتاهية:
أثروا فلم يدخلوا قبورهم ... شيئا من الثّروة التي جمعوا
وكان ما قدّموا لأنفسهم ... أعظم نفعا من الذي ودعوا