ومن الناس من يجوز عليهم ... شعراء كأنها الخاز باز
قال في «المثل السائر» : وهذا البيت من مضحكات الأشعار وهو من جملة البرسام الذي ذكره في قوله:
إن بعضا من القريض هذاء ... ليس شيئا وبعضه أحكام
فيه ما يجلب البراعة والفهم وفيه ما يجلب البرسام وعدّ منه في «المثل السائر» قول البحتريّ:
وجوه حسّادك مسودّة ... أم صبغت بعدي بالزّاج؟
قال: فلفظة الزاج من أشدّ ألفاظ العامة ابتذالا، وكذلك عدّ منه قول النابغة الذّبيانيّ:
أو دمية في مرمر مرفوعة ... بنيت بآجرّ يشاد بقرمد
قال فلفظة آجرّ مبتذلة جدّا. وإذا شئت أن تعلم شيئا من سرّ الفصاحة التي تضمنها القرآن الكريم، فانظر إلى هذا الموضع فإنه لما جيء فيه بذكر الآجرّ لم يذكر بلفظه، ولا بلفظ القرمد أيضا، ولا بلفظ الطّوب الذي هو لغة أهل مصر، فإن هذه الأسماء مبتذلة، لكن ذكر في القرآن على وجه آخر، وهو قوله تعالى: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً
«١» فعبر عن الآجرّ بالوقود على الطين؛ نعم من الألفاظ المبتذلة السخيفة لفظة الكنس، وما اشتق منه، ولذلك عابها القاضي الفاضل رحمه الله تعالى على ابن سناء الملك «٢» في بعض أشعاره حيث قال من أبيات:
يزخرف منها وجهها فهو جنّة ... ويخضرّ منها نضرة فهو سندس