وقال:
وما زارني إلّا ولهت صبابة ... إليه وإلّا قلت أهلا ومرحبا
فعلم المملوك أنّ هذه طريقة لا تسلك، وعقيلة لا تملك، وغاية لا تدرك؛ ووجد أبا تمّام قد قال:
سلّم على الرّبع من سلمى بذي سلم
وقال:
خشنت عليه أخت بني خشين
فاشمأزّ من هذا النّمط طبعه، واقشعرّ منه فهمه، ونبا عنه ذوقه، وكاد سمعه يتجرّعه ولا يكاد يسيغه؛ ووجد هذا السيد عبد الله بن المعتز قد قال:
وقفت في الرّوض أبكي فقد مشبهه ... حتّى بكت بدموعي أعين الزّهر
لو لم أعرها دموع العين تسفحها ... لرحمتي لاستعارتها من المطر
وقال:
قدّك غصن لا شكّ فيه كما ... وجهك شمس نهاره جسدك
فوجد المملوك طبعه إلى هذا النّمط مائلا، وخاطره في بعض الأحيان عليه سائلا؛ فنسج على هذا الأسلوب، وغلب عليه خاطره مع علمه أنه المغلوب؛ «وحبّك الشيء يعمي ويصمّ» فقد أعماه حبّه وأصمه إلى أن نظم تلك اللفظة في تلك الأبيات تقليدا لابن المعتز حيث قالها، وحمل أثقالها؛ وهي تغفر لذاك في جنب إحسانه، فأما المملوك فهي عورة ظهرت من لسانه.
فأجابه القاضي الفاضل رحمه الله بقوله: ولا حجة فيما احتج به عن الكنس في بيت ابن المعتز، فإنه غير معصوم من الغلط، ولا يقلّد إلا في الصواب فقط، وقد علم ما ذكره ابن رشيق في عمدته من تهافت طبعه، وتباين وضعه، فذكر من محاسنه ما لا يعلّق معه كتاب، ومن بارده وغثّه ما لا تلبس عليه الثياب.
وقد تعصّب القاضي السعيد على أبي تمّام فنقصه من حظه، وللبحتريّ