تلذّ له المروءة وهي تؤذى
ثم استأنف كلاما آخر فقال:
ومن يعشق يلذّ له الغرام
وقد جاءت هذه اللفظة بعينها في الحديث النبويّ مضافة إلى كاف خطاب، فأخذت من المحاسن بزمامها، وأحاطت من الطّلاوة بأطرافها؛ وذلك أنه لما اشتكى النبي صلّى الله عليه وسلّم جاءه جبريل فرقاه فقال: «بسم الله أرقيك من كلّ داء يؤذيك» فصارت إلى الحسن بزيادة حرف واحد، وهذا من السّرّ الخفي الذي يدقّ فهمه.
وعلى نهج لفظة يؤذي يرد لفظة لي، فإنها لا تحسن إلا أن تكون متعلقة بما بعدها، ولذلك لحقها هاء السّكت في قوله تعالى: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ
«١» لما لم يكن بعدها ما تتعلق به، بخلاف قوله: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ
«٢» فإنه لم تلحقها هاء السكت اكتفاء بما هي متعلقة به.
ومما يجري مثل هذا المجرى لفظة القمّل، فإنها قد وردت في قوله تعالى:
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ
«٣» فجاءت في غاية الحسن، ووردت في قول الفرزدق:
من عزّه اجتحرت كليب عنده ... زربا كأنّهم لديه القمّل «٤»
فجاءت منحطة نازلة، وذلك لأنها قد جاءت في الآية مندرجة في ضمن كلام لم ينقطع الكلام عندها، وجاءت في البيت قافية انقطع الكلام عندها.
هذا ملخص ما ذكره ابن الأثير، وقال: إنه لم يسبق إليه، وجعل الحاكم