فيالائمي دعني أغالي بقيمتي ... فقيمة كلّ الناس ما يحسنونه
قد زادت ألفاظه وذهبت طلاوته، وإن كان قد أفرد المعنى في نصف بيت فإنه قد احتاج إلى زيادة مثل ألفاظه مرّة أخرى توطئة له في صدر البيت ومراعاة لإقامة الوزن، وزاد في قوله «فقيمة» فاء مستكرهة ثقيلة لا حاجة إليها وأبدل لفظ امرىء بلفظ الناس ولا شكّ أنّ لفظ امرىء هنا أعذب وألطف؛ وغيرّ قوله «يحسن» إلى قوله «يحسنونه» ، والجمع بين نونين ليس بينهما إلا حرف ساكن غير معتدّ به مستوخم؛ وإذا أعتبرت ما نقل من معاني النظم إلى النثر وجدته قد نقصت ألفاظه وزاد حسنا ورونقا ألا ترى إلى قول المتنبي يصف بلدا قد علّقت القتلى على أسوارها:
وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم
كيف نثره الوزير ضياء الدين بن الأثير في قوله يصف بلدا بالوصف المتقدّم: «وكأنما كان بها جنون فبعث لها من عزائمه عزائم، وعلّق عليها من رؤوس القتلى تمائم» فإنه قد جاء في غاية الطّلاوة خصوصا مع التورية الواقعة في ذكر العزائم مع ذكر الجنون؛ وهذا في النظم والنثر الفائقين ولا عبرة بما عداهما.
وناهيك بالنثر فضيلة أن الله تعالى أنزل به كتابه العزيز ونوره المبين الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ
«١» ولم ينزله على صفة نظم الشعر بل نزّهه عنه بقوله وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ
«٢» وحرّم نظمه على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم تشريفا لمحلّه وتنزيها لمقامه منبها على ذلك بقوله وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ
«٣» وذلك أن مقاصد الشعر لا تخلو من