القسم الرابع من أهل الفترة
هذا القسم هو من لم يكن عنده توحيد ولا إشراك ولا دخول في شريعة نبي ولا تعرض لتغييرها ولا اختراع لدين, بل بقي عمره (١) على حال غفلة وذهول عن ذلك كله, وقد نُقل أن في أهل الجاهلية من كان على هذه الوتيرة, ويقتضي النظر وجودهم, فإنه إذا وجد فيهم الموحد لله والمشرك به، فكذلك قد (٢) يوجد منهم من هو عار عن الوصفين جميعا, لكون خواطر الخلق مختلفةً وأذهاِنهم غيرَ متفقة.
ومثال ذلك فيما مضى قصة عبيد الله بن جحش بن رئاب, إذ فارق دين قومه مستبصرا في ذلك، كما تقدم عنه وعن ورقة وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو, ثم بقي هو من بينهم واقفا لم يدخل في شريعة حتى جاء الإسلام فكانت لعبيد الله المذكور أربعة أحوال, فإنه كان على حال الشرك في الجاهلية، ثم زال عن الشرك، لإدراكه أن الأصنام لا تضر ولا تنفع, وبقي متوقفا ملتمسا, إلى أن جاء الله بالإسلام فأسلم, وهاجر إلى أرض الحبشة وهو مؤمن, ثم تنصر هنالك فمات نصرانيا, نعوذ بالله من الخاتمة السوء.
ومقصودنا من هذه الأربعة الأحوال الحالة الثانية، وهي التي كان عليها عبيد الله بن جحش، إذ كان متوقفا، فإنه زال عن الشرك ولم يدرك
(١) في (ب): بقي كذلك.
(٢) سقط من (ب).