قال: وقال آخرون: المعنى في ذلك: كل مولود من بني آدم فهو يولد على الفطرة أبدا، وأبواه يحكم له بحكمهما، وإن كان قد ولد على الفطرة حتى يكون ممن يعبر عنه لسانه.
قالوا: والدليل على أن المعنى كما وصفنا رواية من روى في هذا الحديث: «كل بني آدم يولد على الفطرة»، «وما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة» (١).
وحق الكلام أن يحمل على عمومه.
وذكروا حديث سمرة بن جندب عن النبي - عليه السلام - حديث الرؤيا، وفيه: «والشيخ الذي في أصل الشجرة إبراهيم والولدان حوله أولاد الناس» (٢).
قالوا: فهذه الأحاديث نزل ألفاظها على أن المعنى في الحديث ليس كما تأوله المخالف من أنه يقتضي أن الأبوين لا يهودان ولا ينصران إلا من ولد على الفطرة من أولادهما، بل الجميع من أولاد الناس يولدون على الفطرة. انتهى كلام أبي عمر.
ولم يرجح واحدا من هذين المذهبين، غير أنه لما تكلم على معنى الفطرة اعترض له ذكر حديث أبي بن كعب وحديث أبي سعيد المذكورين، فأخذ يذكر اختلاف الرواة في وقف حديث أبي وفي رفعه.
وقال عن حديث أبي سعيد: ليس هو من الأحاديث التي لا مطعن فيها، لأنه انفرد به علي بن زيد بن جدعان، وقد كان شعبة يتكلم فيه (٣).
(١) رواه البخاري (١٢٩٢ - ١٢٩٣ - ٤٤٩٧ - ٦٢٢٦) ومسلم (٢٦٥٨) وغيرهما عن أبي هريرة.
(٢) تقدم.
(٣) انظر التاريخ الكبير للبخاري (٦/ ٢٧٥) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٦/ ١٨٦).