وليس عند المخالفين حجة أقوى من حديث أبي بن كعب وبعده حديث أبي سعيد، فلنتكلم عليهما حتى يتبين أن لا حجة لهم فيهما، فنقول:
أما حديث أبي سعيد, فيقال للمحتجين به: أخبرونا عن قوله - عليه السلام - فيه: «ومنهم من يولد كافرا» (١) , وهو موضع دليلهم، هل تحملونه على ظاهره أو تتأولونه؟.
فإن حملتموه على ظاهره لزمكم أن يكون المولود في حين ولادته كافرا، وهذا ما تُحيله المشاهدة, ويكذبه العيان، ويبطله الشرع، إذ لا يعقل كفر ولا إيمان إلا أن يتصف بأحدهما المكلف بعد لزوم التكليف له.
وإذا بطل هذا الوجه لم يبق إلا أن يكون الحديث مؤولا.
وإذا كان مؤولا فإنما يتأول على الوجه السائغ في الشرع والعقل (ق.١٣٦.ب) وهو أن يكون معنى قوله: «ومنهم من يولد كافرا» أنه لا يتقدمه إيمان قبل الكفر, فإن الحديث إنما مخرجه والمقصود به أن يُعلم أن من الخلق من يكون في أول أمره مؤمنا وفي آخره كافرا، ومنهم من يكون في أول أمره كافرا وفي آخره مؤمنا.
فكما أن معنى كون الشخص في أول أمره مؤمنا تقدم الإيمان له قبل الكفر، فكذلك معنى كون الشخص الآخر في أول أمره كافرا تقدم الكفر له قبل الإيمان، ويتأتى ذلك فيه بعد أن يولد على الفطرة بأن يهود وينصر، فلا يأتيه وقت التكليف الذي يوصف فيه بالكفر إلا وهو قد استحكم رأيه فيه.
(١) تقدم.