وحق لسورة تشتمل على هذين الشفاءين أن يُسْتشْفَى بها من كل مرض، ولهذا لما اشتملت على هذا الشفاء الذي هو أعظم الشفاءين، كان حصول الشفاء الأدنى بها أولى، فلا شيء أشفى للقلوب التي عقلت عن الله وكلامه، وفهمت عنه فهما خاصًّا، اختصها به من معنى هذه السورة (١).
وقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)}.
الصراط في المفهوم اللغوي: هو الطريق السهل (٢). والسبيل الواضح (٣).
والصراط هنا: هو الإسلام، والهداية إليه هي التمسك والاعتصام به، فما أوضحه وما أسهله.
والهداية إلى الصراط: هي معرفة دين الإسلام. وتعلمه والعمل به، وجحد كل دين سواه.
ومما يؤكد أن الصراط هو الإسلام ما ثبت في مسند أحمد من حديث النَّواس بن سمعان مرفوعًا في وَصف الصراط بأنه هو الإسلام، قوله -صلى الله عليه وسلم- مفسرًا له: «والصِّراطُ: الإسلامُ، والسُّوران: حُدُودُ الله، والأبوابُ المُفتَّحةُ: محارمُ الله، وذلك الدَّاعي على رأس الصِّراط: كتابُ الله، والدَّاعي من فوق الصِّراط: واعظُ الله في قلب كُلِّ مُسلمٍ» (٤).
ولقد «أجمعَت الأمَّةُ من أهل التأويل جميعًا على أنَّ الصراطَ المستقيمَ هو: الطريقُ الواضحُ الذي لا اعوجاج فيه، وكذلك ذلك في لغة جميع العرب» (٥).
(١) مدارج السالكين (١/ ٧٨)، بتصرف يسير.
(٢) والطريق عمومًا لا يقتضي السهولة؛ ينظر: الفروق اللغوية للعسكري (١/ ٢٩٨).
وقال في القاموس المحيط (ص ٦٧٥): «الصِّراطُ -بالكسر-: الطريقُ، وجِسْرٌ مَمْدُودٌ على متْنِ جَهَنَّمَ».
(٣) لسان العرب (/ ٣١٣).
(٤) أخرجه الحاكم (٢٤٥)، والنسائي في الكبرى (١١١٦٩)، والترمذي (٢٨٥٩) وأحمد (١٧٩٠٩) وهو في صحيح الجامع (٣٨٨٧).
(٥) تفسير الطبري (١/ ١٧٠).