وأما الإبقاء الثاني في قوله -سبحانه وتعالى-: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إلى آخرها، فإن منافع ذلك تعود إلى الآخرة.
وأما سورة الأنعام فالحمد فيها على نعمة الإيجاد الأول: ولذلك ذكر فعل الخلق في مطلعها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (٣)} الأنعام.
ثم انتشر الحديث عن الخلق والإيجاد فى آياتها:
في الآيات التالية: (١٤ - ٣٨ - ٧٣ - ٧٩ - ٩٤ - ٩٥ - ٩٧ - ٩٨ - ٩٩ - ١٠٠ - ١٠١ - ١٠٢ - ١٣٦ - ١٤١ - ١٦٤ - ١٠١) (١) (٢)
وكلام البقاعي هنا موافق لكلام التفتازاني من جهة أسباب استحقاق الرب جل في علاه للمحامد كلها.
و «سورة الأنعام المكية عنيت بحمد الله -سبحانه وتعالى- على نعمة الإيجاد الأول الناظر إلى قوله -سبحانه وتعالى- في سورة الفاتحة {رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)}، وقد نظرت في مواقع كلمة ربّ في السياق القرآني، فرأيت أنه يَعظم وقوعها في الآيات المكية، وقد جاءت في سورة (الأنعام) أكثر من خمسين مرة ..
ولو أنَّا جمعنا معجم كلمات سورة (الأنعام) وتبصرنا المفردات المتعلقة بالخلق والإيجاد الأول لتبين لنا غلبة معنى الإيجاد الأول على هذه السورة المكية المقررة معنى التوحيد الذي هو أساس الدين الذي ارتضاه الله -عز وجل- لعباده.
وفى خاتمة السورة -أيضًا- تناغٍ وتآخٍ (٣) مع مطلَعِها المُعْلِنَ حمد الله على نعمة
(١) العزف على أنوار الذكر (١/ ١٥٩)، وينظر: مصاعد النظر للبقاعي (٢/ ١١٩).
(٢) تم الإشارة للآيات بذكر أرقامها اختصارًا وليسهل للقارئ الكريم الرجوع إليها.
(٣) ومعنى تناغ: «تَنَاغِي العَاشِقَيْنِ»: تَنَاجِيهِمَا، مُلاطَفَةُ أحَدِهِما الآخَرَ. المعجم الغني (تَنَاغٍ) عبد الغني أبو العزم. ولعله يقصد الترابط والتآخي بين خاتمة السورة ومطلعها.