جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} النساء: ٥٦».
فكانت جديرة باسم (فاطر) الدّال على كمال تحققه في الدّار الآخرة دار البقاء الثاني.
ومن أعظم ما يتجلى فيه معنى قوله -سبحانه وتعالى-: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ … الْحَكِيمُ (٢)} فاطر (هو: أي: المعنى) (أن) الدار الآخرة: دار البقاء الأخير (١)، (٢).
وقد توالت في السورة الآيات الدَّالة على ذلك الإبقاء الثاني، كما هو في الآيات: (٧ - ١٢ - ١٠ - ٢١ - ٢٩ - ٣٢) (٣)
ثم ختمَ السورةَ بما هو جِدُّ جليٌّ في نعمة الإبقاء الثاني بإثابة الطائع ومعاقبة العاصي: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (٤٥)} فاطر.
يعلم الطائع، فيُثيبُه بطاعته ثوابًا لا ينقطع أبدًا، ويعلم العاصي، فيجازيه بعصيانه ما يستحق.
بهذا تبين لنا كيف أنَّ كلَّ سورة منها قد اختصت بغير ما اختصت به الأخرى من مقتضِيات الحَمْدِ، وكيف أنّها رتبت ترتيبًا مُحْكَمًا، فكانت (أمُّ الكتاب) جامعة للمحامد وكانت الأنعام.
للإيجاد الأول الذي يسبق الإبقاء الأوَّل الذي كانت له (الكهف) وكان الإيجاد الثاني بسورة (سبأ) وكانت آخر السور الخمس (فاطر) للنعمة العظمى والأخيرة (الإبقاء الثاني).
وبهذا يتبين لك عظيم دلالة الاستهلال على المقاصد المتصاعدة في السياق
(١) نظم الدرر لبقاعي (٦/ ١٩٩).
(٢) وضمير الغائب المذكور (هو) يعود على: المعنى لا على الدار الآخرة، لئلا يُتوهم ذلك.
(٣) تم الإشارة للآيات بذكر أرقامها اختصارًا وليسهل للقارئ الكريم الرجوع إليها.