والعبودية العامة التي هي عبودية القهر والغلبة، لا تكفي للدخول في الإسلام، فقد أقر بها كفار قريش ومع ذلك قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- واستحل دماءهم وأموالهم وسبى ذريتهم ونساءهم، ذلك لأنهم لم يقروا بالعبودية الخاصة، وهي عبودية الألوهية التي توجب تحقيق التوحيد وصرف العبادة كلها لله، ربنا في ذلك: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)} الأنعام: ١٦٣٢ - ١٦٣.
فهم قد أقروا بربوبيته سبحانه وأقروا أنه تعالى هو الخالق قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} لُقْمَان: ٢٥، فهذا إقرار صريح بربوبيتهم لربهم، ومع ذلك لم ينفعهم إقرارهم بالربوبية لعدم تحقيق توحيد الألوهية، قال الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} يوسف. لأنهم مع ذلك يعْبدُونَ الاصنام والأوثان، ولم يصرفوا العبادة للإله الواحد الملك الديان.
أما العبودية المتعلقة بألوهيته سبحانه فهي العبودية الخاصة المتعلقة بعبادته سبحانه وتأليهه وتوحيده وإخلاص الوجه له وقصده وحده بالعبادة دون ما سواه، خوفُا وطمعًا، رغبًا ورهبًا.
والخلاصة: أنَّ جميعَ المخلوقات عبيدٌ مقهورون لربوبيته تبارك تعالى، أما أهل طاعته وأهل كرامته فهم عبيد ألوهيته تعالى، الخاضعون المتذللون لربهم، خضوع تذللٍ، وعبوديةَ اختيارٍ، لا عبودية قهرٍ وغلبة، وتلك هي العبودية الخاصة.
ثالثًا: بيان حقيقة العبودية:
أما حقيقة العبودية: فهي الغاية العظمى التي خلق الله من أجلها الخلق كما بين ذلك في محكم كتابه، فقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} الذاريات.
قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-: «اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} فقال بعضهم: معنى ذلك: وما خلقت السعداء من الجن