قال قتادة: «افتتح الخلق بالحمد في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الأنعام: ١ واختتم بالحمد في قوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)}» (١).
وفي ضوء بيان أئمة التفسير رحمهم الله أجمعين يتبين تقرير مكانة حمد الله تعالى ودلالته على توحيد الخلائق قاطبة لبارئها جل في علاه.
قال ابن المبرد الحنبلي -رحمه الله-: «كلُّ أمرٍ لا يُبدأ فيه باسم الله ويُختمُ بحمد الله، فهو فاسدُ الوضع، رديءُ الصُّنع، لا خير فيه ولا فائدة، ولا بركة فيه ولا عائدة، فمن تأمَّل الأحاديثَ النبويَّة والكتاب والسُّنَّة، وجد ذلك في كلِّ أمر من الأُمور الدنيويَّة؛ من الأكل والشُّرب والوطء واللُّبس وغير ذلك، وكذلك الأمور الأُخرويَّة، قال الله -عز وجل-: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠)} يونس، وقال -عز وجل-: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)} الزمر، وقال: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} الزمر: ٧٤، فأهلُ الجنَّة طُبعُوا على ذِكر الله في ابتداء كُلِّ فعلٍ في الجنَّة، وحَمْدِ الله على تمامه، وقلتُ:
احمد لربِّك في أُمُورك كُلِّها … وافزع إليه في الصِّعاب يحُلُّها
واقرع بكفِّ الذُّلِّ بابَ عطائه … مَن في الوُجُود سوى الإله يبُلُّها
وإذا الشَّدائدُ أقبلَت فانزل بِهِ … واعلم يقينًا ما سواه يفُلُّها». اهـ (٢)
أما ما ورد في السنة المطهرة عن مكانة حمد الله تعالى وفضائله ودلالته على توحيد الله تعالى، فيعجز المقام عن حصره وذكره، ولأن البحث متعلق بالتفسير فيُكتفى بالإشارة دون العبارة عن بعض فضائله، لئلا يطول المقام، وكذلك لأن البحث موضوعي، تم الإشارة لبعض فضائله فحسب في السنة المطهرة.
(١) تفسير ابن كثير (٨/ ١٢٥).
(٢) ينظر: رسالته: النجاة بحمد الله، وهي فيما يُظنُ ما تزال مخطوطة.