وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: «وبنى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على أربع قواعد: التحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه من قول اللسان والقلب، وعمل القلب والجوارح، فالعبودية اسم جامع لهذه المراتب الأربع. كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} الذاريات». (١)
وفي ضوء بيان أهل العلم وأئمة التفسير رحمهم الله حول آية الذاريات يتبين:
١ - أن الحكمة والغاية المحمودة التي خلق الله تعالى الخلق من أجلها هي العبادة.
قال ابن سعدي -رحمه الله-: «هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والإعراض عما سواه، وكلما ازداد العبد معرفة بربه كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله تعالى المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم» (٢).
٢ - وأن الله خلقهم وهو غني عنهم مع فقرهم إلى خالقهم.
كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ … الْحَمِيدُ (١٥)} فاطر.
يقول الفخر الرازي -رحمه الله-: «فلا يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم، وإنما هو لإشفاقه عليكم» (٣).
٣ - وأن العبادة هي: الخضوع والذل والانقياد.
٤ - وأن عبودية القهر والغلبة تشمل كل الخلق مؤمنهم وكافر.
قال القرطبي -رحمه الله-: «قوله تعالى: {اعْبُدُوا} المائدة: ٧٢ أمر بالعبادة له، والعبادة هنا
(١) مدارج السالكين (١/ ١٠٠).
(٢) تفسير الكريم الرحمن (٧/ ١٨١).
(٣) (التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب-للفخر الرازي-تفسير سورة فاطر قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ … الْحَمِيدُ (١٥)} فاطر (ص: ٢٣).