ومن مشاهدة عبوديتهم كذلك: مَن حاله منهم القيام الدائم لله، ومَن حاله منهم السجود الدائم لله تبارك وتعالى، يبين ذلك ما ثبت عندي الطبراني في الكبير وصححه الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة من حديث حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ لَهُمْ: «تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟» قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ.
قَالَ: «إِنِّي لَأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ، وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ، وَمَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ» (١).
وما ثبت كذلك عند الحاكم والترمذي وابن ماجه وغيرهم، وحسنه الألباني -رحمه الله- تعالى في صحيح الجامع منْ حديث أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ» (٢). فسبحان من سجدت له الأملاك كلها.
و-عبودية الجن.
الجن عالم مستقل غير عالم الإنس وعالم الملائكة، وبينهم وبين الإنس قدر مشترك عقلًا وإدراكًا وحسًّا وتكليفًا وتمييزًا بين الحق والباطل وبين الخير والشر، وإن كانوا يخالفون الإنس في بعض الأمور.
وسموا جنًّا لاجتنانهم، أي: استتارهم عن العيون.
الجن لغة
قال ابن عقيل: «إنما سمّي الجن جنًّا لاجتنانهم واستتارهم عن العيون، ومنه سمي الجنين جنينًا، وسمّي المجنّ مجنًّا لستره للمقاتل في الحرب» (٣).
(١) البزار (٣٢٠٨) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢/ ٥٠٦).
(٢) الحاكم (٣٩٠٥)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (١/ ٤٨١).
قال ابن الأثير: الأَطِيط صَوْتُ الْأَقْتَابِ. وأَطِيطُ الْإِبِلِ: أصْوَاتُها وحَنِينُها. أَيْ: أَنَّ كَثْرَةَ ما فيها من الملائكة قد أثقلها حَتَّى أَطَّتْ. النهاية في غريب الحديث والأثر (١/ ٥٤).
(٣) آكام المرجان في أحكام الجان (ص ٧).