ظلالها ذات اليمين والشمال ولا يتبادر للذهن إلى أنه يلزم أن يكون سجودها مثل سجود البشر على سبعة أعظم، وإذا كان الله قد أثبت لها السجود وجب الأخذ به وعدم الحيد عنه وتأويله عن ظاهره، إذا أن الكائنات لها السجود اللائق بها على الوجه الذي جبلها الله عليه وأراده منها.
تسبيح الكائنات
قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (٤١)} النور.
يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله-: «يخبر الله تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها؛ جماداتها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال أي: بكرًة وعشيًّا فإنه ساجد لله تعالى.
قال مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله -عز وجل-» (١).
والكون كله يوحد الله ويسبحه ويمجده قال سبحانه وتعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)} الإسراء، «وَهَذَا عَامٌّ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتِ وَالْجَمَادِ» (٢).
وتسبيحها تسبيح حقيقي فطرها وجبلها عليها خالقها لا يعلمُ كيفيته وصفته إلا هو سبحانه، -عز وجل-: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)} الإسراء.
ومما ورد في هذا الصدد ما أخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة وغيره وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة من حديث عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: «ما تَسْتَقِلُّ الشمسُ فيبقَى شيئٌ من خلق الله إِلَّا سَبَّح الله بحمدِه، إلَّا مَا كان من الشياطين،
(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٥٧٥).
(٢) تفسير ابن كثير (٥/ ٧٩).