وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: قاسية أي: يابسة. وقيل: غليظة لا تلين، وقيل معناه: إن قلوبهم ليست بخالصة للإيمان بل إيمانهم مشوب بالكفر والنفاق، ومنه الدراهم القاسية وهي الردية المغشوشة» (١).
والتاريخ الأسود أكبر شاهد عيان على نقضهم العهود والمواثيق عبر الدهور والأزمان؛ فقد نقضوا العهد مع خير الخلق -صلى الله عليه وسلم- وحاوَلوا قتْلَه مرّات، وفي ختام تلك المحاولات وضعهم السُّمَّ في شَّاة وتقديمها له ليأكلها.
ولقد سأل رسول -صلى الله عليه وسلم- اليهود: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟» فقالوا: «نعم». فقال: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟» فقالوا: «أردنا إن كنتَ كذابًا نستريح منك، وإن كنت نبيًّا لم يضرك» (٢).
ولما سأل النبيُ المرأةَ اليهوديةَ قالت: «أردتُ لأقتلك». قال: «ما كان الله ليسلطك على ذاك» (٣).
قال النووي في شرح مسلم: «وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ما كان الله ليسلطك على ذاك» أو قال: «عليَّ»، فيه بيان عصمته -صلى الله عليه وسلم- من الناس كلهم، قال الله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} المائدة: ٦٧. وهي معجزة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سلامته من السمِّ المهلك لغيره» (٤).
فأكل منها فداه أبي أمّي، فلم يضرّه شيء منها، ولقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- تلك المرأة التي وضعت له السم أن الله حفظه وسلمه من القتل. وهكذا ردّ الله كيد يهود وحفظ وعصم نبيّه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ورد كيدهم في نحورهم لم ينالوا من نبيه -صلى الله عليه وسلم- شرًّا ولا أذى، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧)} المائدة.
(١) تفسير البغوي (٣/ ٣٢).
(٢) البخاري (٣١٦٩) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٣) البخاري (٢٦١٧)، ومسلم (٢١٩٠).
(٤) شرح النووي على مسلم (١٤/ ١٧٩).