نُسِخَت برسالة خاتمة، وشريعة باقية هي: شريعة الإسلام، وختمت الكتبُ السماويةُ بالكتاب الخالد الباقي المحفوظ بحفظ الله وهو -القرآن الكريم-، قال ربنا: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} الحجر والمعنى: «وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما، ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه» (١).
وهذا الكتاب-القرآن الكريم-كتاب شاهد على الكتب السابقة التي أنزلها الله تعالى، وأمينًا وحاكمًا ومؤتمنًا ومصدقًا عليها، أي: على ما كان قبله من الكتب التي أنزلها الله على رسله الكرام عليه الصلاة والسلام أجمعين.
كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ … فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨)} المائدة.
«وأما قوله: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} أي: على جنس الكتاب الإلهي، فمعناه أنه رقيب عليها وشهيد، بما بينه من حقيقة حالها في أصل إنزالها، وما كان مِنْ شأن مَنْ خُوطِبُوا بها، من نسيان حظ عظيم منها وإضاعته، وتحريف كثير مما بقي منها وتأويله، والإعراض عن الحكم والعمل بها، فهو يحكم عليها؛ لأنه جاء بعدها» (٢).
وخُتِمَ النبيون بخير الخلق وحبيب الحق محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال ربنا: {مَا كَانَ … مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٤٠)} الأحزاب، {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} «وذلك لأن النبي الذي يكون بعده نبي إن ترك شيئًا من النصيحة والبيان يستدركه من يأتي بعده، وأما من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى لهم
(١) تفسير الطبري (٧/ ٦٩).
(٢) تفسير المنار (٦/ ٣٣٩).