كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)} ق وقد وعد سبحانه بملئها فيقول لها: {هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)} ق.
والباحث قد بذل ما يملك من الجهد والأوقات لإتمام بحثه على وجه يرجو به رضا رب البريات، وينال به رحمته في الدنيا ويوم الحسرة والفوات، فلم يبخل ببذل اللحظات والساعات في تحرير بحثه ولَمِّ شمل كلماته وجمعها بعد شتات، والبحث في القرآن عمومًا وفي الفاتحة خصوصًا يحتاج لبذل جهود وأعمار وأوقات، ومع ذلك لا يمكن لأحدٍ أن ينال كل وطره ومأربه ومطلبه منها لعظم مقاصد ومرامي آياتها وما شملته من العلوم وما حوته من العبر والعظات، ولما حوت بين ثنايا آياتها من التناسق النصي والوحدة الموضوعية المتضمنة لتوحيد وعبودية رب البريات.
والنقص وصف بشري يعتري عموم الخلق قاطبة وإن ادعوا الكمالات، إلا رسل الله وأنبيائه، وأكملهم من ختمت به النبوات وببعثته الرسل وجميع الكتب والرسالات، عليهم من الله جميعًا أفضل الصلوات وأطيب التسليمات والتبريكات، والبحث ما يزال يحتاج لجهود وعقول وقلوب أصحاب الهمم العالية والنفوس الزاكية الراغبة فيما عند رب الأرض والسماوات من الفضل والرفعة والمكانة وعلو الدرجات.
وأخيرًا فهذه دعوة لجميع الباحثين والباحثات للتنافس في قربى لله من أعز وأنفس القربات لتقديم البحوث العلمية والأطروحات في بيان معاني ومرامي ومقاصد فاتحة الكتاب طمعًا في الفوز غدًا بأعالي المنازل في غرفات الجنات.
ولقد صَدَقَ القاضي الفاضل عبد الرَّحيم بن عليّ البيسانيّ لما قال:
«إنِّي رأيتُ أنَّه لا يكتُبُ إنسانٌ كتابًا في يومِه؛ إلاَّ قالَ في غَدِهِ: لو غُيِّرَ هذا لكان أحسنَ، ولو زِيدَ كذا لكان يُستَحسَنُ، ولو قُدِّمَ هذا لكان أفضلَ، ولو تُرِكَ هذا لكان أجملَ. هذا مِنْ أعظَمِ العِبَرِ، وهو دليلٌ علَى استيلاءِ النَّقصِ علَى جُملةِ البَشَرِ» (١).
(١) كان الأُستاذ أحمد فريد الرِّفاعي (ت ١٣٧٦ هـ) هو الَّذي شهَّر هذه الكلمةَ؛ حيث وضعها أوَّلَ كلِّ جزء من أجزاء مُعجم الأدباء لياقوت الحمويّ، وغيره من الكُتب، وتداولَها النَّاس عنه منسوبةً إلى العماد الأصفهانيّ!! والصَّواب نسبتُها للقاضي الفاضل، بعثَ بها إلى العماد؛ كما في=