قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} التوبة: ٣٣
٣٧ قال الحسين بن الفضل: معناه: (ليظهره على الأديان كلها بالحجج الواضحة والبراهين اللائحة، فتكون حجة هذا الدين أقوى).
الكشف والبيان للثعلبي (١) ص: ١٦٣. (٢)
الدراسة
قوله {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} محمد -صلى الله عليه وسلم- (بالهدى) قيل بالقرآن (٣)، وقيل ببيان الفرائض (٤) (ودين الحق) هو الإسلام (٥).
(ليظهره) اختلفوا في عود الضمير على قولين: أولهما أنّ الهاء عائدةٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٦).
قال ابن عباس: " ليظهر الله نبيه على أمر الدين كله، فيعطيه إياه كله، ولا يخفى عليه منه شيء (٧).
قال أبو حيان: " والظاهر أن الضمير في (ليظهره) عائد على الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه المحدث عنه " (٨).
قال الشافعي: " فقد أظهر الله -جل ثناؤه -دينه الذي بعث به رسوله على الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل، وأظهره، بأن جماع الشرك، دينان، دين أهل الكتاب ودين الأميين، فقهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعاً وكرهاً، وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعضهم الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه -صلى الله عليه وسلم- وهذا ظهور الدين كلِّه ... " (٩)
والآخر: أنَّ الهاء راجعة إلى دين الحق، أي إلى الإسلام.
ثم إن في معنى الكلام قولان:
الأول: ليظهر هذا الدين على سائر الأديان (١٠) وإن كان معه غيره كان دونه (١١)
وقال أبو هريرة والضحاك: وذلك عند نزول عيسى ابن مريم، لا يبقي أهل دين إلا دخل الإسلام (١٢).
روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في نزول عيسى عليه السلام، قال: (فيهلك الله في زمانه الملل كلَّها إلا الإسلام) (١٣).
وكأنَّ أصحاب هذا القول ذهبوا إلى إظهاره على أتمِّ وجوهه حتى لا يبقى معه دين آخر (١٤). وأما الذي قبله فلا يحتاج إلى نزول عيسى عليه السلام بل حصل في صدر هذه الأمة.
(١) وافقه البغوي ٢/ ٢٧٥.
(٢) ت: جمال ربعين، ج: أم القرى.
(٣) ينظر: تفسير البغوي ٢/ ٧٤، وفتح القدير ٢/ ٤٤٣.
(٤) ينظر: تفسير الطبري ١٠/ ١٣٣ وتفسير البغوي ٢/ ٢٧٤.
(٥) ينظر: تفسير الطبري ١٠/ ١٣٣.
(٦) ينظر: الكشاف ٢/ ٢٦٥، وزاد المسير ٣/ ٤٢٧، وتفسير القرطبي ٨/ ١١١، وتفسير البيضاوي متن حاشية شيخ زاده ٤/ ٤٥٧، وفتح القدير ٢/ ٤٤١.
(٧) رواه الطبري عن ابن عباس في تفسيره ١٠/ ١٣٣/ ١٣٤، وابن أبى حاتم في تفسيره ٦/ ١٧٨٦.
(٨) البحر المحيط ٥/ ٣٤.
(٩) أحكام القرآن ٢/ ٤٩/ ٥٠.
(١٠) رواه ابن أبى حاتم عن الضحاك في تفسيره ٦/ ١٧٨٦ وينظر: الكشاف ٢/ ٢٦٥، وزاد المسير ٣/ ٤٢٧، وتفسير القرطبي ٨/ ١١١، وفتح القدير ٢/ ٤٤١، والتحرير والتنوير ١٠/ ٧٤.
(١١) البحر المحيط ٥/ ٣٤.
(١٢) رواه عن أبى هريرة الطبري في تفسيره ١٠/ ١٣٣ وينظر: تفسير البغوي ٢/ ٢٧٤، وزاد المسير ٣/ ٤٢٨، وتفسير القرطبي ٨/ ١١١.
(١٣) جزء من حديث طويل رواه الإمام أحمد في مسنده ح: ٩٢٥٩ ص: ٦٧٤، وراجع ح: ٩٦٣٠.
(١٤) ينظر: المحرر الوجيز ٣/ ٢٦، والبحر المحيط ٥/ ٣٤.