والثاني: إنَّ إظهار الدين إنما هو بالحجج الواضحة وإن لم يدخل الناس فيه (١).
قال السمرقندي (٢): " (ليظهره على الدين كله) حتى يظهره بالحجة على الدين كله" (٣).
وقال السمعاني: " وفي قوله {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} قول آخر، وهو أنه الإظهار بالحجة، فدين الإسلام ظاهر على كل الأديان بالدليل والحجة " (٤).
وقال القرطبي: " أي بالحجة والبراهين ". (٥)
وهذا القول هو الذي ذهب إليه الحسين فيكون الضمير ـ على قوله ـ عائداً على الدين الحق.
قال ابن عطية عن إعادة الضمير إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-: " وهذا التأويل وإن كان صحيحاً جائزاً، فالآخر أبرع منه وأليق بنظام الآية وأحرى مع كراهية المشركين ". (٦)
والذي يظهر – والله أعلم – أنه لا مانع من اجتماع الأمرين فالدين قد ظهر وعلا على سائر الأديان، وكذلك ظهر بالحجج والبراهين وقد تمَّ ذلك والحمد لله.
وممَّا يؤيد قول الحسين بن الفضل ـ رحمه الله ـ ما قاله السعدي -رحمه الله تعالى-: " أي ليعليه على سائر الأديان بالحجة والبرهان والسيف والسنان، وإن كره المشركون ذلك وبغوا له الغوائل، ومكروا مكرهم فإن المكر السيئ لا يضر إلا صاحبه، فوعدُ الله لا بد أن ينجزه، وما ضمنه لابد أن يقوم به " (٧).
وما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعُزَّى، فقلت: يا رسول الله إن كنت لأظنُّ حين أنزل الله ({هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} لتوبة: ٣٣ إن ذلك تام، قال: إنهَّ سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فتوفَّى كل من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم) (٨)
(١) ينظر: البحر المحيط ٥/ ٣٤، وزاد المسير ٣/ ٤٢٨.
(٢) السمرقندي: نصر بن محمد بن أحمد، أبو الليث السمرقندي، الفقيه المحدث الزاهد، له: التفسير، تنبيه الغافلين، توفي سنة (٣٧٥ هـ)، ينظر: السير (١٦/ ٣٢٢)، الأعلام (٧/ ٢٧).
(٣) تفسيره ٢/ ٥٤.
(٤) تفسيره ٢/ ٣٠٤.
(٥) تفسيره ٨/ ١١١، وينظر: فتح القدير ٢/ ٤٤١.
(٦) المحرر الوجيز ٣/ ٢٦.
(٧) تفسيره ص: ٣٣٥.
(٨) كتاب (الفتن): ح: ٧٣٠١ ص: ١٢٥٩.