وقال ابن زيد: - الذي أنزلناه عليك تذكرة لمن يخشى (١).
وقال البغوي: أي لكن أنزلناه عظة لمن يخشى (٢). وخصَّ بالتذكرة من يخشى دون غيرهم؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بها (٣) كقوله تعالى {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} ق: ٤٥ وقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} النازعات: ٤٥.
المسألة الرابعة: التعليق على كلام الحسين
وبعد هذا الإطناب وتوضيح ما يُحتاج إليه في فهم الآية، فالآية واضحة المعنى تمام الوضوح، وقد تجلى فيها أرقى وأروع الأساليب العربية الرصينة والتي جاءت على ما جاءت عليه أغلب الآيات من الترتيب وهو الأصل في الكلام.
إذن: لا خلل هناك يدعو إلى القول بما هو خلاف الأصل وهو (التقديم ... والتأخير) (٤) مع أنه من سَنَن العرب تقديم ما حقه التأخير وتأخير ما حقه التقديم، وتجد هذا في خطبهم وحكمهم وأشعارهم، وذلك على حسب ما يملي به مقتضيات الأحوال ومقاصد المتكلم.
وقد اجتهد (الحسين) اجتهاداً مبنياً على اللسان العربي الفصيح، ولا غرو في ذلك وهو البحر في المعاني، لكن في اجتهاده هذا نظرٌ
فقوله هذا يخالف ترتيب الآية المفهوم، وليس هناك لبس في الترتيب يدعو إلى القول بالتقديم والتأخير. ...
وقرَّر الطبري قاعدة التقديم والتأخير فقال: "وهذا القول وإن كان غير مدفوع ... غيرُ صواب عندي، بخلاف تأويل أهل التأويل على أن الحرف إنما يُحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير، إذا لم يكن لوجه مفهوم إلا بتقديمه عن موضعه أو
تأخيره، فأمّا وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه في التقديم والتأخير ". (٥)
وقال في موضع آخر: " ولا وجه لتقديم شيء من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجة واضحة". (٦)
وكذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية " ... والتقديم والتأخير على خلاف الأصل، فالأصل إقرار الكلام على نظمه وترتيبه لا تغيير ترتيبه". (٧)
(١) رواه عنه ابن جرير في تفسيره ١٦/ ١٦٠.
(٢) تفسيره ٣/ ١١٢.
(٣) ينظر: تفسير الرازي ٢٢/ ٤ وأضواء البيان ٤/ ٤٣٥.
(٤) وهو باب من أبواب البلاغة الرئيسة، ينظر على سبيل المثال: الصاحبي ص: ١٨٩/ ١٩٠ والخصائص ٢/ ٣٨٢.
(٥) / ١٨٧.
(٦) / ٨١.
(٧) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ١٦/ ٢٨١.