بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمدُ لله الذي أنزَلَ على عبدهِ الكتاب ولم يجعلْ لهُ عوجاً، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خير خلق الله محمَّدِ بن عبد الله الذي أتمَّ به تشرَيعه.
أما بعد:
فإنَّ خيرَ ما يتنافسُ فيه المتنافسون وأفضلَ ما يسهمُ في إبراز كمالِه وجلالِه المُسهمون كلامُ ربِّ العالمين، وقد أولعَ بتفسيره المتقدِّمون كما شُغف بتبيان ما يؤولُ إليه المتأخِّرون {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} آل عمران: ٧.
ولذا رغبتُ في أن أختار موضوعَ أقوال الحسينِ بن الفضلِ جمعاً ودراسة.
والحسين بن الفضل (ت ٢٨٢ هـ) من العلماء الكبار في اللغة ومعاني القرآن، ومع جلالة قدره ومكانتِه إلا أنه لم يشتهر بين طلبةِ العلم الآن.
ولا غَروَ أن يُعنَى بمثل هذا العَلَم الذي وُصِف بعلمه بمعاني القرآن ـ كما سيأتي في ترجمته ـ كما أنه يلاحظ أن التأليف في هذا العِلم مشتهر في عصره (١) ولعله كان له تأليف فيه لكنه فُقد، وبقيت نقوله عند علماء التفسير كالثَّعلبي في الكشف والبيان، والسَّمعاني في تفسيره، والبغويِّ في معالم التنزيل، وابن عطية في المحرر الوجيز، وابن الجوزي في زاد المسير، والقرطبي في أحكام القرآن، والزركشي في البرهانِ في علومِ القرآنِ، والسيوطي في الإتقانِ، والكرمي في الناسخ والمنسوخ، والشَّوكاني في فتح القدير، وغيرهم.
وهم عندما ينقلون عنه يصرِّحون باسمه فيقولون قال الحسين بن الفضل (٢)، ونقولُهم عنه تدلُّ على براعتِه في علمِ المعاني، وغوصٍ على معانٍ دقيقة، وفهمٍ خاص يكاد ألا يكون قد سُبقَ إليه.
(١) * وممن ألف في هذا العلم: الفراء وقطرب وأبو عبيدة والمفضل بن سلمة والأخفش وأبو زيد الأنصاري وابن قتيبة والمبرد وثعلب وابن كيسان وغيرهم.
(٢) قد يرد في بعض المراجع مصحَّفاً إلى الحسن بن الفضل. على سبيل المثال ينظر: الكشف والبيان ٣/ ٦٢، ٣/ ٦٥، ٥/ ٨٦، ٥/ ٩٩. تحقيق محمد بن عاشور.