وإذا عُلم أن قوله (خرَّ) أي ألقى بنفسه نحو الأرض متطامناً متواضعاً، والركوع والسجود الانخفاض والترامي نحو الأرض وخصصتها الشرائع على هيئات مخصوصة. (١) نتج عنه احتمال المعنى لما ذكر وقيل، مع أن قول الحسين بن الفضل قريب من قول الحسن.
قال ابن كثير: " أي ساجداً .. ويحتمل أنه ركع أولاً ثم سجد بعد ذلك " (٢) وفي نظري أن رأيه في أنه لا يقال للراكع (خرّ) يحتاج إلى مزيد تأمل لأن (خرّ) معناها لغة السقوط فينطبق على الركوع والسجود ولو كان في السجود أعم قال تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} مريم: ٥٨. والله تعالى أعلم.
قال تعالى {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤)} ص: ٧٧.
٧٠ قال الحسين بن الفضل: (وهذا تأويل صحيح؛ لأن إبليس تجبر وافتخر بالخلقه فغير الله تعالى خلقه: فاسودَّ بعد ما كان أبيضَ، وقبُح بعد ما كان حسناً، وأظلم بعد أن كان نورانياً). الكشف والبيان للثعلبي (٣) / ٢٨٣ (٤).
الدراسة
قال تعالى في سورة الأعراف {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا (١٨)} وفي سورة الحجر {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤)} وقال تعالى كذلك هنا {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ}
وقوله {فَاخْرُجْ مِنْهَا} يعني من الجنة، وهذا هو اختيار الطبري (٥) والنحاس (٦) والقرطبي (٧) وغيرهم. (٨)
قال ابن كثير: " فاستنكف عن السجود لآدم وخاصم ربّه عزّ وجلّ فيه، وادعى أنه خير من آدم فإنه مخلوق من نار وآدم خلق من طين والنار خير من الطين في زعمه وقد أخطأ في ذلك وخالف أمر الله تعالى وكفر بذلك فأبعده الله عزّ وجلّ وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته، ومحل أنسه، وحضرة قدسه " (٩).
(١) ينظر: المحرر الوجيز ٤/ ٥٠١.
(٢) تفسيره ٤/ ٣١.
(٣) نسب نحوه البغوي في تفسيره ٣/ ٧١٤ إلى الحسين بن الفضل.
(٤) ت: ساعد بن سعيد الصاعدي، ج: أم القرى.
(٥) ينظر: تفسيره ٢٣/ ٢١٨.
(٦) ينظر: إعراب القرآن ٣/ ٣١٨.
(٧) ينظر: تفسيره ١٥/ ٢٠١.
(٨) كالشنقيطي في الأضواء ٣/ ١٣٠.
(٩) تفسيره ٤/ ٤٣.