وقال عن هذا النسخ الشنقيطي ـ رحمه الله ـ: " ضعيف والعلم عند الله تعالى " (١).

وقيل منسوخة بقوله: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} ص: ٨٦ (٢) والى هذا ذهب الحسين بن الفضل.

والثاني: أنه استثناء من غير الأول ـ منقطع ـ لأنَّ الأنبياء لا يسألون على تبليغهم أجراً.

والمعنى: إلا أن تودُّوني في قرابتي منكم، وقد روى هذا المعنى الشعبيُّ وغيره عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة (٣)، أي لا أسألكم عليه أجراً، لكن أذكركم قرابتي فيكم.

ومثل هذا يسميه البلاغيون تأكيد المدح بما يشبه الذم، وهذا هو القول الصحيح في الآية (٤)، واختاره ابن جرير (٥) والزجاج (٦).

قال ابن الجوزي: " هذا هو الصحيح، ولا يتوجه على هذا نسخ أصلاً (٧). وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير وغيره معنى آخر وهو لا أسألكم على ما جئتكم به أجراً إلا أن تودُّوا قرابتي (٨)، أي لكن أذكركم الله في قرابتي فاحفظوني فيهم. (٩).

وذكر الحسن كذلك أنها محكمة ووجَّه معناها. (١٠) وحسَّنه النحاس وذكر أنه من أجمع الأقوال وأبينها (١١).

وعلى هذه المعاني فلا إشكال ولا داعي للقول بالنسخ

قال الثعلبي في الكشف والبيان: " وقال قوم: هذه الآية منسوخة فإنما نزلت بمكة وكان المشركون يؤذون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمرهم فيها بمودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصلة رحمه، فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار وعزروه ونصروه أحب الله تعالى أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام حيث قال {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} الشعراء: ١٠٩ فأنزل الله تعالى عليه {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} سبأ: ٤٧

(١) دفع إيهام الاضطراب ص: ١٩٣.
(٢) ينظر: الناسخ والمنسوخ للكرمي ص: ١٨٣.
(٣) روى البخاري هذا المعنى عن ابن عباس في صحيحه كتاب (التفسير) باب وقوله (إلا المودة في القربى) ح: ٤٨١٨ ص: ٨٥١. وقال عنه ابن كثير في تفسيره ٤/ ١١٢. والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما رواه عنه البخاري ". ورواه عنهم ابن جرير في تفسيره ٢٣/ ٢٩ - ٣١.
(٤) دفع إيهام الاضطراب ص: ١٩٣.
(٥) ينظر: تفسيره ٢٣/ ٣٣.
(٦) ينظر: معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٣٩٨.
(٧) نواسخ القرآن ص: ٢٢٠.
(٨) رواه عنهم ابن جرير في تفسيره ٢٣/ ٣٣.
(٩) ينظر: دفع إيهام الاضطراب ص: ١٩٣.
(١٠) ينظر: في هذا القول وتوجيهه: الإيضاح ص: ٤٠٥ وروى المعنى عنه ابن جرير في تفسيره ٢٣/ ٣٣.
(١١) ينظر: الناسخ والمنسوخ له ص: ٦٥٧.