وإذا عُلم هذا المعنى الذي دلَّت عليه الآية الكريمة و قد بينه في غير هذا الموضع في قوله تعالى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} الفرقان: ٤٣
وقال تعالى ذكره {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} ... فاطر: ٨ فلا يلزم القول بما ذهب إليه الحسين بن الفضل وقد تقدم مراراً الحديث عن أسلوب التقديم والتأخير مما يغني عن إعادته، إلا أن الزركشي ذكر أن هذه الآية داخلة فيما قَُدم والنية به التأخير، وقال: " وأصل الكلام (هواه إلاهه) كما تقول اتخذ الصنم معبوداً، لكن قدَّم المفعول الثاني على الأول للعناية، كما تقول: علمت منطلقاً زيداً، لفضل عنايتك بانطلاقه " (١)
وكذلك ذكر أن في هذه الآية قلب إسناد (٢).
وقيل: قوله {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} بدلاً من (هواه إلهه) فإنه جعل المفعول الأول ثانياً والثاني أولاً، للتنبيه على أن الهوى أقوى وأوثق عنده من إلهه. (٣) ولذا فإن القول في هذه الآية في التقديم والتأخير لا يؤثر على معنى الآية.
قال الزمخشري: " أي: هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه (٤)، وأضاف أبو حيان: " ولهذا يقال: الهوى إله معبود " (٥).
قال تعالى {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} الجاثية: ٢٤.
عن أبى هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبُّوا الدَّهر فإنَّ الله هو الدهر) (٦) ...
(١) البرهان ٣/ ٢٧٧.
(٢) المصدر السابق ٣/ ٢٩٠ وقلب الإسناد هو أحد أنواع القلب، وهو أن يشمل الإسناد إلى شيء والمراد غيره. ينظر: المصدر السابق ٣/ ٢٨٨.
(٣) ينظر: المصدر السابق ٣/ ٤٢٨.
(٤) الكشاف ٤/ ٢٩١.
(٥) البحر المحيط ٨/ ٤٨.
(٦) رواه مسلم في صحيحه كتاب (الألفاظ من الأدب وغيرها) ح: ٥٨٦٦، ص: ٩٩٧. ورواه الثعلبي هنا بسنده.