قال تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} النجم: ٣٧
٨٦ قال الحسين بن الفضل: (وَفَّى بشأن الأضياف حتى سُمِّيَ أبا الأضياف)
الكشف والبيان. ٩/ ١٥٢ (١)
الدراسة
يقول تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} الذي وفَّى من أرسل إليه ما أرسل به، واختلف أهل التاويل في معنى الذي وفَّى.
فقال سعيد بن جبير وقتادة وغيرهما (٢): وفَّى طاعة الله ورسالاته إلى خلقه (٣).
ورواية عن ابن عباس: وفَّى بما رأى في المنام من ذبح ابنه (٤). وهو قول الربيع (٥)
وقال مجاهد: وفَّى بما فرض عليه (٦).
وقيل: وفَّى ربه عمل يومه (٧). وقيل غير ذلك (٨).
والتوفية هي الإتمام (٩).
ورجح الطبري أنه وفَّى جميع شرائع الإسلام وجميع ما أمر به من الطاعة.
وقال: " لأن الله ـ تعالى ذكره ـ أخبر عنه أنه وفَّى فعمَّ بالخبر عن توفيته جميع الطاعة، ولم يخصص بعضاً دون بعض، وذكر التوفية على العموم ولو صحَّ عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم- خبر لم نَعْدُ القول به إلى غيره" (١٠).
وقال النحاس: " وأولى ما قيل في معنى الآية بالصواب ما دل عليه عمومها أي وفَّى بكل ما افتُرِض عليه بشرائع الإسلام، ووفَّى في العربية للتكثير ". (١١)
ولم يذكر متعلق (وفَّى) ليتناول كل ما يصلح أن يكون متعلقاً له، كتبليغ الرسالة والاستقلال بأعباء الرسالة والصبر على ذبح ولده وصبره كذلك على فراق إسماعيل وأمه وعلى نار نمروذ، وقيامه بأضيافه وخدمته إياهم بنفسه (١٢)، وقد قال الحسن: ما أمره الله بشيء إلا وفَّى به (١٣).
وعلى هذا فقول الحسين مما يتناوله قوله (وفَّى) كما يتناول غيره، فالآية أعم وبكثير مما خصه الحسين بن الفضل، ولعله ذكره كمثال لتمام وفائه.
فلا أظن يفوت على سعة علمه بالمعاني ما المترتب على إطلاق (وفَّى) من تناول كل وفاء وأيضاً في تشديد (وفَّى) مبالغة في الوفاء، ولذا ذكرتُ أنه ربما ذكر قوله هذا على سبيل التمثيل ـ والله أعلم ـ
(١) ت: ابن عاشور.
(٢) رواه عنهم ابن جرير في تفسيره ٢٧/ ٨٥.
(٣) ينظر فيما سبق: تفسير الطبري ٢٧/ ٨٥.
(٤) روى عنه نحوه الطبري في تفسيره ٢٧/ ٨٦.
(٥) ينظر: تفسير البغوي ٤/ ٢٦٢.
(٦) رواه عنه الطبري في تفسيره ٢٧/ ٨٦ وينظر: تفسير القرطبي ١٧/ ١٠١.
(٧) ينظر: تفسير الطبري ٢٧/ ٨٦ وزاد المسير ٨/ ٧٩ وتفسير ابن كثير ٤/ ٢٥٨.
(٨) ينظر: تفسير الطبري ٢٧/ ٨٦ وتفسير البغوي ٤/ ٢٦٣ وزاد المسير ٨/ ٧٩/ ٨٠.
(٩) ينظر: تفسير البغوي ٤/ ٢٦٢ وتفسير القرطبي ١٧/ ١٠٠.
(١٠) ينظر: تفسير الطبري ٢٧/ ٨٧ - ٨٦ وحسَّن القرطبي القول بالعموم في تفسيره ٧/ ١٠١، ... وينظر: تفسير ابن كثير ٤/ ٢٥٧/ ٢٥٨ ..
(١١) إعراب القرآن ٤/ ١٨٦.
(١٢) ينظر: البحر المحيط ٨/ ١٦٤.
(١٣) ينظر: تفسير النسفي ٤/ ١٩١ والبحر المحيط ٨/ ١٦٤.