وأرى أنها لو ثبتت هذه الرِّواية، فلا إشكال فيها، فالرِّقَّة بالنِّسبة لله ـ تعالى ـ ليست كالرِّقَّة عند المخلوقين، فهي هنا رحمتُه ولطفُه وإحسانه بعباده ولو حُملت عبارة ـ ابن عباس ـ إن صحَّت على باب الإخبار، فله وجهٌ ـ والله أعلم ـ لأنَّ
(ما يدخل في باب الإخبار عنه سبحانه أوسع مما يدخل في باب الأسماء والصفات) (١) أما ما ذهب إليه الحسين من وصف الله سبحانه بالرفق، فإن ذلك قد جاءت به السنة في قوله -صلى الله عليه وسلم- إن الله رفيق يحب الرفق (٢) ".
قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الفاتحة: ٢.
٦ قال الحسين بن الفضل
(الرب الثابت من غير إثبات أحد، يقال: ربَّ بالمكان وأربَّ ولبَّ إذا أقام) الكشف والبيان ٢/ ٥٢٠ (٣).
الدراسة
الرب في الأصل التربية وهي إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدِّ التمام (٤).
وما ذهب إليه الحسين ـ رحمه الله ـ هو معنى صحيح؛ لأن الخلق فطروا على معرفة ربهم سبحانه وتعالى، فهو لا يحتاج إلى تعليم من أحد.
قال ابن دُريد: (ربّان) فعلان من أشياء إمَّا من رببت النعّمة إذا أتممتها، أو من قولهم أربّ بالمكان وربَّ به، إذا أقام به (٥).
وقال الزمخشري (٦): وأربَّ الرجلُ بمكان كذا وألبَّ أقام (٧).
ويطلق الرب في اللغة على (المالك والسيد والمدبر والمربِّي والقيِّم والمنعم ولا يطلق غيرَ مضاف إلا على الله تعالى) (٨).
(١) ينظر: بدائع الفوائد لابن القيم ١/ ١٦١.
(٢) سبق تخريجه. ينظر في ذكر الرفيق من أسماء الله الحسنى: القواعد المثلى لابن عثيمين ... ص: ٤٢
(٣) ت: خالد العنزي، ج: أم القرى.
(٤) المفردات للراغب ص: ١٩٠.
(٥) الاشتقاق ص: ٥٣٦، وابن دُريد: محمد بن الحسن بن دُريد بن عتاهية الأزدي، أبو بكر البصري اللغوي، له تصانيف منها: الجمهرة في اللغة، المقصور والممدود، وغيرهما، توفي سنة (٣٢١ هـ). ينظر: السير (١٥/ ٩٦)، بغية الوعاة (١/ ٧٦).
(٦) الزمخشري: محمود بن عمر بن محمد، أبو القاسم جار الله الزمخشري الخوارزمي، اللغوي النحوي، من كبار علماء المعتزلة، له: الكشاف، أساس البلاغة، وغيرهما، توفي سنة (٥٣٨ هـ). ينظر: السير (٢٠/ ١٥١)، طبقات المفسرين للسيوطي (ص: ١٠٤).
(٧) أساس البلاغة ١/ ٣٢٨، وينظر: النهاية لابن الأثير ص: ٣٣٩
(٨) النهاية لابن الأثير ٣٣٨. في بعض هذه المعاني ينظر: تفسير القرطبي ١/ ١٨٢ وتفسير ابن كثير ١/ ٢٣ وفتح القدير للشوكاني ١/ ٢٦، وتهذيب اللغة للأزهري ٢/ ١٣٣٦ وشأن الدعاء للخطابي ص: ٩٩ والكليات لأيي البقاء الكفوي ص: ٤٦٦.