قال ابن كثير: وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك يقولون
يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أنَّ منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك أي نصلي لك (١)
فيكون المسؤول عنه هو الجعل لا باعتبار ذاته بل باعتبار حكمته ومزيل شبهته (٢) قال شيخ زاده (٣): " طلباً للكشف عن تلك الحكمة أو قالوا استخباراً أي استعلاماً وطلباً للجواب الذي يرشدهم إلى طريق العرفان ويوصلهم إلى ... الإيقان .. " (٤).
وقد قُدِّر في كل ما سبق للاستفهام معادل.
ولعل المعنى واحد في كل ما سبق من التعبيرات فالاستخبار، والاسترشاد، والاستعلام، كله مجراه واحد يصب في الاستفهام المحض ويؤول إليه، اللهم إلا أنَّ في الاستعلام زيادة استكشاف عن وجه الحكمة وهذا وجه حسن. والله تعالى أعلم.
فإذا كانت الهمزة على بابها في الاستفهام فإنه يندرج تحته كل ما سبق.
٢ - وقيل: الهمزة للتعجب (٥) وإن كان أصلها للاستفهام فهو قد صحبه معنى التعجب: كأنهم تعجبوا من استخلاف الله من يعصيه أو من يعصي من يستخلفه في أرضه (٦). وذهب إليه الزمخشري (٧).
٣ - وقيل: للاستعظام والإكبار (٨).
قال ابن عطية: " إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه، أو من عصيان من يستخلفه الله في أرضه وينعم عليه بذلك، وإما على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعاً للاستخلاف والعصيان .. " (٩)
(١) تفسير ابن كثير ١/ ٦٩.
(٢) ينظر: روح المعاني ١/ ٢٢١.
(٣) شيخ زاده: محمد محي الدين بن مصطفى القوجوي، مفسر من فقهاء الحنفية، كان مدرساً في استانبول، له حاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي، وشرح الوقاية في الفقه، وغيرهما، توفي سنة (٩٥١ هـ) ينظر: الأعلام (٧/ ٩٩).
(٤) حاشيته على تفسير البيضاوي ١/ ٤٩٧، وينظر: حاشية الشهاب على نفس التفسير ٢/ ١٨٧.
(٥) ينظر: تفسير الطبري ١/ ٢٣٨ وتفسير البيضاوي وحاشية شيخ زادة عليه ١/ ٤٩٧، وحاشية الشهاب عليه ٢/ ١٨٥ والدر المصون ١/ ١٧٧ وتفسير ابن كثير ١/ ٧١ ومشكل إعراب القرآن ١/ ٨٥ وروح المعاني ١/ ٢٢١ والتحرير والتنوير ١/ ٣٨٨.
(٦) البحر المحيط ١/ ٢٩٠. قال مكي في المشكل: ١/ ٨٥: " وقيل: هو تعجب تعجبت الملائكة من قدرة الله ".
(٧) ينظر: الكشاف ١٢٤/ ١٢٥.
(٨) ينظر: تفسير القرطبي ١/ ٣١٦ والبحر المحيط ١/ ٢٩٠
(٩) المحرر الوجيز ١/ ١١٧، وبمثله قال القرطبيُّ في تفسيره ١/ ٣١٦.