وذلك لأن الخبر عما مضى وما قد سلف، لا يُدرك علم صحته إلا بمجيئه مجيئاً يمتنع معه التشاغل والتواطؤ، ويستحيل معه الكذب والخطأ والسهو (١).
ولمزيد من التوضيح ذكر الحسين أن الإضمار الموجود في آية البقرة السابقة كالإضمار الموجود في قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} الزمر: ٩.
فكأنه قصد من ذكر آية الزمر، تقريب المعنى في آية البقرة لحاجة آية البقرة إلى تقدير محذوف وكذلك قوله تعالى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} لا بد من معادل محذوف وللوصول إلى تقديره لا بدَّ من الآتي:
في الآية قراءتان
الأولى: خفف الميم الحرميَّان (٢) وحمزة (٣).
الثانية: شدَّدها الباقون (٤).
وهذا معنى قول الشاطبي (٥):
أمَّن خفَّ حرميٌّ فشا ... (٦)
(١) ينظر: المصدر السابق.
(٢) هما الإمام نافع وسبقَت ترجمته، وابن كثير وهو: عبد الله بن كثير الداري المكي، أبو معبد القارئ، أحد الأئمة، توفي سنة (١٢٠ هـ). ينظر: السير (٥/ ٣١٨)، والتقريب (٣٥٥٠).
(٣) حمزة بن حبيب الزيّات القارئ، أبو عمارة، الكوفي، التَّيميُّ مولاهم، صدوق، زاهد، ربما وهم، أحد القراء السبعة توفي سنة (١٥٦ هـ). ينظر: معرفة القراء الكبار (١/ ١١١)، التقريب (١٥١٨).
(٤) وهم أبو عمرو وعاصم والكسائي: وينظر في القراءتين: النشر لابن الجزري ٣/ ٢٨٠ والبدور الزاهرة لعبد الفتاح القاضي ص: ٢٧٥.
(٥) الشاطبي: القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الرُّعينيُّ الأندلسيُّ، أبو محمد وأبو القاسم الشاطبيُّ الضرير، ناظم الشاطبية والرائية، كان له الباع الأطول في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث، توفي سنة (٥٩٠ هـ)، ينظر: السير (٢١/ ٢٦١)، بغية الوعاة (٢/ ٢٦٠).
(٦) ينظر: إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة ٢/ ٦٦٩ وسراج القارئ المبتدئ لابن القاصح ص ٣٣٨، والوافي في شرح الشاطبية لعبد الفتاح القاضي ص ٣٥٣