والمنتصر بالله (١) إلى أن توفي في خلافة المعتضد (٢).
وقد بلغت الدولة العبَّاسية أوجها أيام الرَّشيد، ووصلت إلى غاية قوَّتها فاستتبَّ الأمن، ولم يحدث الصراع على الحكم إذ كانت الدولة في مرحلة الشباب و كان الشعور المشترك بالتعاضد والجهاد والمعاناة التي بذلوها في سبيل الوصول إلى السلطة ومآلها من أيدي الأمويين، لا يزال قائماً في النفوس.
وجاءت أيام المأمون ولم تزل الإمارات المستقلة مقتصرة على الجناح الغربي من الدولة الإسلامية، ولم يتغير وضع الإمارات كثيراً في مغرب الدولة وإنما كانت استمراراً لما حدث في عهد أسلاف المأمون، وهكذا في أيام المعتصم، ومع انتهاء حكم المتوكل على الله انتهى العصر العبَّاسيُّ الأول وهو عصر القوة، وبدأ عصر الضعف حيث تسلَّط العسكر على الحكم، فحكموا من وراء الخلفاء الذين كانوا صورة بل ألعوبة أحياناً بيد العسكريين، وأذلُّوا الشعب وبالتالي بدأت الدولة تتداعى وينهدُّ منها ركنٌ بعد ركن حتى تهاوت على أيدي التتار، وقد تراخى أبناؤها وذلَّ أفرادها ..
وكانت بداية العصر العباسي الثاني هي بداية عهد الضعف الذي أصاب المسلمين واستمر مدة زادت على عشرة قرون، ونشأت دويلات في مشرق الدولة إضافة إلى ما نشأ في مغربها، ونشوء هذه الدويلات راجع إلى الضعف الذي حلَّ بالدولة، ولقد وُجد أكثرُ من خليفة في بلاد المسلمين وتعدَّدت الدُّول المنفصلة عن جسم الخلافة (٣) وعليه كانت البلاد الإسلامية في تلك الفترة من التَّاريخ مضطربة وغير مستقرة.
٢ - الحالة الاجتماعية
توقفت الفتوحات وتناقصت أعمال الجهاد، إلا أنه نتيجةً لما جاء من أموال بسبب الفتوحات السابقة؛ فإن مظاهر الحضارة قد بدأت تنحو منحىً جديداً، فالذين تمسكوا بأسس الحضارة الصحيحة قد انصرفوا نحو العلم فأنتجوا، وعاش آخرون في الترف واتجهوا نحو مظاهر الحضارة الكمالية فكان البناء، والعمران، والزراعة، والتجارة، وإن كان معظم ذلك يتمُّ بأيدِ غير أيدي السكان الأصليين من رقيق وزنج جُلبوا إلى المنطقة، وانصرف آخرون أيضاً نحو مظاهر الحضارة التَّرفيهية، فعاشوا في الغناء والموسيقى والشراب، ونتيجة الترف بدأت الحضارة تتراجع تدريجياً حتى قضى ذلك على الدولة العباسية، إذ إنَّ أسس الحضارة في الأمن والعدل والمساواة واحترام الإنسان قد بدأت تتراجع، ومع زوال الأسس والأصول تداعت الأغصان والفروع وتساقطت الثِّمار وبعضها لم ينضج بعد وبعضها قد جفَّ ويبس (٤).
(١) المنتصر بالله: محمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون العباسي، أبو جعفر، بويع بالخلافة بعد أن قتل أباه (سنة ٢٤٧ هـ)، مدة خلافته ستة أشهر وأيام، توفي (سنة ٢٤٨ هـ)، ينظر: تاريخ الخلفاء (ص: ٤٠٣)، الأعلام (٦/ ٧٠)
(٢) المعتضد بالله: أحمد بن طلحة بن جعفر بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد العباسي، أبو العباس، بويع بالخلافة بعد وفاة عمه المعتمد (سنة ٢٧٩ هـ)، توفي سنة (٢٨٩ هـ)، ينظر: تاريخ الخلفاء (ص: ٤١٩)، الأعلام (١/ ١٤٠).
(٣) ينظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، (ص ٥/ ١٤٤/ ١٨٠/ ١٩٥/ ٢٠٧/ ٢٢٣، ٦/ ٣/ ١٨/ ٢٢/ ٢٣) بتصرف.
(٤) ينظر المصدر السابق، (ص ٥/ ٣٥/ ٣٦).