والجمهور على القول الأول، قاله ابن عباس (١) والحسن (٢) ومجاهد (٣) واختاره ابن جرير (٤) وأبو عبيدة (٥) والزجاج (٦) وأبو حيان (٧) والآلوسي (٨) والسعدي (٩) وغيرهم.
ولا يخفى على متأمل ما يحمل هذا القول من قوة تؤيده القاعدة التفسيرية (التي ترد الضمير عند ذكر شيئين على أحدهما والغالب كونه الثاني (١٠)، والعرب تقتصر على أحد الاسمين وأكثره الثاني (١١)، وقد نزل القرآن بلغتهم.
قال أبو حيان: الضمير عائد على الصلاة هذا ظاهر الكلام، وهو القاعدة في علم العربية أن الضمير الغائب لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل" (١٢)
وأما عن اختيار الحسين فله وجهته كذلك؛ لأنَّ الهاء والألف تعود على مؤنث، فإذا لم يكن على الصلاة فعلى الاستعانة مصدر (استعينوا) فعل الأمر الذي صدرت به الآية، فيكون معنى الآية (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنَّ الاستعانة بهما لكبيرة إلا على الخاشعين)، وفي رد الضمير على الاستعانة إشراك الصبر مع الصلاة في كونهما ثقيلتين وكبيرتين على النفس إلا أنفس الخاشعين.
وهذا صحيح، فالصبر له ثقله ومشقته والصلاة كذلك مثله ـ والله تعالى أعلم ـ.
وأما عن القولين الآخرين فتطرق الضعف إليهما بيِّن واضح. حيث إن الضمير إذا رُد إلى إجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- تُرك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دليل على صحته، فلم يجر بلفظ الإجابة ذكر (١٣)، ولا دليل له من الآية (١٤) وأضعف من هذا (١٥): رده إلى الكعبة بعلة كونها قبلة للصلاة.
(١) ينظر: تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ١/ ٨ وزاد المسير لابن الجوزي ١/ ٧٦.
(٢) ينظر: زاد المسير لابن الجوزي ١/ ٧٦.
(٣) ينظر: تفسير ابن كثير ١/ ٨٧.
(٤) ينظر: تفسير الطبري ١/ ٢٩٩.
(٥) ينظر: مجاز القرآن ١/ ٣٩.
(٦) ينظر: معاني القرآن وإعرابه ١/ ١٢٥.
(٧) ينظر: البحر المحيط ١/ ٣٤١ ..
(٨) ينظر: روح المعاني ١/ ٢٤٩.
(٩) تفسير السعدي ص: ٥١.
(١٠) ينظر: إلى القاعدة: في البرهان للزركشي ٤/ ٣٠ والإتقان ٢/ ٢٨٣.
(١١) ينظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ٣٩.
(١٢) البحر المحيط ١/ ٣٤١ وأبو حيان هو محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان، أثير الدين أبو حيان الأندلسي الغرناطي، اللغوي المفسر المقرئ الأديب، له عدة مؤلفات، منها: البحر المحيط، إتحاف الأريب وغيرهما)، توفي سنة (٧٤٥ هـ). ينظر: الدرر الكامنة (٦/ ٥٨)، بغية الوعاة (١/ ٢٨٠) ..
(١٣) ينظر: تفسير الطبري ١/ ٢٩٩.
(١٤) ينظر: المحرر الوجيز لابن عطية ١/ ١٣٧.
(١٥) نفس المصدر السابق.