ولم يصرح في هذا الحديث أن هذا العمر هو عمر عيسى -عليه السلام- حينما رفع ولكن هناك حديث أخر قَيَّد الثلاث والثلاثين بعمر عيسى -عليه السلام- وهو ما
رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعًا: " يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك، على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى: ثلاث وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد جُرد مُرد مكحولين " (١).
وذكر الألباني هذا الحديث وعلَّق عليه ... ثم قال: وبالجملة: فالحديث بطرقه وشواهده لا ينزل عن مرتبة الحسن إن شاء الله (٢).
ويؤيد هذا ما قاله الحسن البصري: كان عمر عيسى -عليه السلام- يوم رفع أربعا وثلاثين سنة (٣) وكذا ما روى عن سعيد بن المسيب، أنه قال: رُفع عيسى -عليه السلام- وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة (٤)
وذكر ابن جرير في تاريخه (٥) أنه أنزل عليه وهو ابن ثلاثين سنة، ومكث حتى رُفع إلى السماء، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
روى الأزهري عن أحمد بن يحيى أنه قال: ذكر الله ـ عزّ وجلّ ـ وعزّ لعيسى آيتين: إحداهما: تكليمه للناس في المهد، فهذه معجزة.
والأخرى: نزوله إلى الأرض عند اقتراب الساعة كهلاً ابن ثلاث وثلاثين سنة يكلِّم أمه محمد، فهذه الآية الثانية (٦).
وإذا قلنا بأن عيسى -عليه السلام- رُفع ابن ثلاث وثلاثين أو ما يقاربها، وعلى تقدير أول سن الكهولة بعد الأربعين سنة، يصح أن يقال أنه رفع شاباً ولا يكلم الناس كهلاً إلا بعد أن ينزل من السماء في آخر الزمان فإنه حينئذ يكلِّم الناس ويقتل الدجال .. وفي قول الحسين ـ رحمه الله ـ (وهو لم يكتهل في الدنيا) دلالة على أنه يرى أن أول سن الكهولة هو ما بعد عمر عيسى -عليه السلام- عندما رُفع ـ والله أعلم ـ.
وأما على تقدير أول سن الكهولة بعد الثلاثين فإن عيسى -عليه السلام- قد بلغ الكهولة وكلَّم الناس فيه قبل أن يرفع فتكون فائدة قوله (وكهلاً) تمت قبل رفعه -عليه السلام- ـ والله أعلم ـ.
(١) رواه المقدسي في صفة الجنة ص: ١٢٠:، وروى أبو نعيم في صفة الجنة ص: ١١٢ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن أهل الجنة شباب، مرد، مكحولون، أبناء ثلاث وثلاثين سنة لا يبولون، ولا يتغوطون، وإنما هو جشاء، ورشح كرشح مسك، يخرج من جلودهم، على ميلاد عيسى عليه السلام)
(٢) ينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة ٦ (١/ ٤٦/ ٤٧).
(٣) ينظر: البداية والنهاية ٢/ ٥١٥.
(٤) ينظر: المصدر السابق وروح المعاني ٣/ ١٦٤
(٥) / ٥٩٨.
(٦) تهذيب اللغة ٤/ ٣١٩٩ وينظر: تفسير القرطبي ٤/ ٩٢.