والآيات صريحة في هذا الباب لا تقبل شيئاً من التأويل، كما قال سبحانه: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} البقرة:٢١٠، وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} الأنعام:١٥٨، وهذه أشد صراحة، إذ لا يمكن تأويل الإتيان بأنه إتيان الأمر أو العذاب؛ لأنه ردد فيها بين إتيان الملائكة وإتيان الرب، وإتيان بعض آيات الرب سبحانه (١).
المسألة الثانية: الاشتباه في قول إبراهيم والمزيل له.
اشتبهت هذه الآية على كثير من الطوائف وقالوا: نفهم من كلام إبراهيم أن الله لا يوصف بالإتيان والمجيء وما فيه حركة؛ لقوله: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} الأنعام:٧٦ قالوا: الآفل هو المتحرك الذي تقوم به الحوادث، فيكون الخليل قد نفى المحبة عمن تقوم به الحوادث، فلا يكون إلهاً، ومن نظر إلى تفاسيرهم وكلامهم وجد اضطراباً في تخريج الآيات وتفسيرها (٢).
وخلاصة الجواب على هذا الفهم من ثلاثة وجوه:
١ - أن إبراهيم رأى بزوغ الكوكب وتحركه إلى أفوله، ولم يقل: لا أحب البازغين، ولا المتحركين، ولا أحب من تقوم به الحركات والحوادث (٣)، فلو كان احتجاجه بالحركة والانتقال لم ينتظر حتى يغيب.
٢ - أن الأفول في لغة العرب هو المغيب والاحتجاب وليس هو الحركة والانتقال (٤).
(١) ينظر: شرح العقيدة الواسطية لهراس ص ١١٣.
(٢) ينظر مثلاً: الكشاف ٢/ ٣٩، التسهيل ١/ ٢٧٧، الوجيز ١/ ٣٦٢، زاد المسير ٣/ ٥٨، تفسير البيضاوي ٢/ ٤٢٣، إيضاح الدليل ص ١١٧.
(٣) ينظر: شرح العقيدة الطحاوية ١/ ١٢٨ في الاستفصال في حلول الحوادث لأنه لفظ مجمل.
(٤) ينظر: المفردات ص ٢٧ (الأفول: غيبوبة النيرات)، لسان العرب ١١/ ١٨ (أفل أي: غاب)، منهاج السنة ٢/ ١٩٣، تفسير السعدي ١/ ٢٦٢.