• أنه لا ينفي شهادة الله تعالى قبل رجوعهم، فإن ثم قد تفيد الاستمرار والبقاء، كما في قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٨٢)} طه:٨٢، أي: بقي على ذلك الهدى من التوبة والإيمان والعمل الصالح (١).
• أن ثم قد تأتي لمجرد الترتيب في الذكر، وذكر الأولى ثم الأولى دون اعتبار الزمن، كما في قول الشاعر:
قُل لِمَن سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوه ... قَبْلَهُ ثُمَّ قَبْلَ ذلك جَدُّه (٢)
فالمقصود ترتيب درجات معالي الممدوح، فابتدأ بسيادته ثم بسيادة أبيه ثم ... بسيادة جده، لأن سيادة نفسه أخص (٣).
• ذكر جمع من العلماء أن ثم في هذه الآية ذكرت لترتب الأخبار لا لترتيب الوجود (٤)، وأنه يقال: بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب. أي ثم أخبرك أن ما صنعت أمس أعجب (٥).
• أن ثم تستعمل في الجمل خاصة، لاستبعاد مضمون ما بعدها عما قبلها، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)} الأنعام:١، فالإشراك بخالق السماوات والأرض مستبعد، غير مناسب، وهذا المعنى فرع عن التراخي، وهو واقع في الآية التي معنا من الكفار حيث استبعدوا شهادة الله عليهم.
(١) ينظر: شرح الرضي لكافية ابن الحاجب ٢/ ١٣١٧.
(٢) هذا البيت لأبي نُواس الحسن بن هانئ، في قصيدة يمدح بها العباس بن أبي جعفر، ينظر: شرح ديوانه ١/ ٣٥٥.
(٣) شرح الرضي لكافية ابن الحاجب ٢/ ١٣١٦.
(٤) ينظر: التبيان في إعراب القرآن ١/ ٨٦، المحرر الوجيز ٣/ ١٢٣، البرهان ٤/ ٢٦٦، شرح الكوكب المنير ١/ ٢٣٧.
(٥) ينظر: مغني اللبيب ص ١٢٧.