القول الأول: أنها المساجد، أي: اجعلوا مساجدكم جهة القبلة، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك (١)، وربما حملهم على هذا وقوع قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} يونس:٨٧ بعده، وأن المساجد تسمى بيوتاً كما في قوله جل وعلا: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} النور:٣٦، وهذا قول محتمل، ولكنه بعيد؛ لأن الله علم أن بني إسرائيل مفارقون مصر قريباً بإذنه، وحالة القوم مع فرعون لا تناسب هذا التفسير (٢).
القول الثاني: أنها بيوت السكنى واختلفوا على قولين:
الأول:
وهو قول ابن عقيل أن المراد: اجعلوا بيوتكم محل صلاتكم وعباداتكم، وهو مروي عن ابن عباس، والنخعي، ومجاهد، والضحاك، وابن زيد (٣).
الثاني:
أن المراد اجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضاً، وهو قول سعيد بن جبير (٤).
والقول الراجح:
هو ما ذكره ابن عقيل بأن المراد: اجعلوا بيوتكم محلاً للطاعة والعبادة؛ وذلك لعدة أمور منها:
١ - أن الأصل في إطلاق لفظ البيوت على بيوت السكنى، ولم يرد دلالة تدل على غير هذا (٥).
٢ - الحال التي كان عليها بنو إسرائيل من الخوف من فرعون وملئه تجعلهم لا يستطيعون الخروج للمساجد، لقوله تعالى قبلها: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} يونس:٨٣.
٣ - ما روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: (كانوا خائفين، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم) (٦).
(١) ينظر: جامع البيان ١٢/ ٢٥٨.
(٢) ينظر: الجامع لأحكام القرآن ٨/ ٣٧١، التحرير والتنوير ١١/ ٢٦٥.
(٣) جامع البيان ١٢/ ٢٥٥ وما بعدها، على اختلاف في ألفاظ أقوالهم.
(٤) جامع البيان ١٢/ ٢٦٠.
(٥) ينظر: جامع البيان ١٢/ ٢٦٠، التحرير والتنوير ١١/ ٢٦٥.
(٦) جامع البيان ١٢/ ٢٥٥.