وعليه فلا ترجيح بهذا اللفظ بين من فسر الخصم باثنين ومن فسره بأكثر، لدلالته عليهما، وهذا من سعة العربية (١).
قال الزمخشري: (والخصم: الخصماء، وهو يقع على الواحد والجمع، كالضيف، قال الله تعالى: {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤)} الذاريات:٢٤؛ لأنه مصدر في أصله، تقول: خَصَمَهُ خَصْماً، كما تقول: ضافه ضيفاً) (٢).
فإذا أردنا الترجيح في عدد الخصم فلا بد من البحث عن مرجح آخر، وأكثر العلماء على أنهما ملكان اثنان.
قال النحاس: (ولا اختلاف بين أهل التفسير أنه يراد به ههنا: ملكان) (٣).
وقال ابن الجوزي: (كانا ملكين، وقيل: هما جبريل وميكائيل أتياه لينبهاه على التوبة) (٤).
وقال ابن جزي: (واتفق الناس على أن هؤلاء الخصم كانوا ملائكة، وروي: أنهما جبريل وميكائيل بعثهما الله ليضرب بهما المثل لداود في نازلة وقع هو في مثلها) (٥).
وبهذا يترجح أنهما اثنان واستخدام الجمع بعدها يجاب عنه من عدة جهات:
١ - أنه نُقل الاتفاق على أن المراد مَلَكان، فيصرف معنى الجمع إلى الاثنين.
٢ - وبالنظر إلى المعنى، فإن الجمع ضم شيء إلى شيء، وهو حاصل في الاثنين (٦).
٣ - وبالنظر إلى اللفظ، فإنه جيء بالجمع لأن الاثنان سميا بالمصدر (٧). والله أعلم.
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)} ص:٢٧.
(١) ينظر: معاني القرآن للفراء ٢/ ٣٩٠، المفردات ص ١٦٨.
(٢) الكشاف ٤/ ٨٤.
(٣) معاني القرآن ٥/ ٩٤.
(٤) زاد المسير ٧/ ١٦.
(٥) التسهيل ٢/ ٢٥٠.
(٦) ينظر: زاد المسير ٧/ ١٦.
(٧) ينظر: الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ١٦٥، لسان العرب ١٢/ ١٨٠.