وقال البغوي في استدلالهم: (قيل: أراد به الكافر بدليل أنه استثنى المؤمنين) (١).
والذي يظهر لي أن هذا الدليل لا يقوى على تخصيص اللفظ العام ببعض أجزائه، أضف إلى ذلك أن الاستثناء سيكون على هذا التفسير منقطعاً، وهذا خلاف الأصل، فيبقى الاستثناء دليلاً قوياً للقول الأول.
كما أن مما يُستدل لهم به: أن استعمال لفظ الإنسان في القرآن إنما يراد به الكافر، لأن هذا اللفظ من خصائص المكي، وهذا أيضاً غير مسَلَّم، لأنه ينخرم عليهم في مواضع عدة من كتاب الله تعالى.
قال القرطبي: (وأما من قال: إن قوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} مكي حيث وقع فليس بصحيح؛ فإن البقرة مدنية وفيها قوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} البقرة:٢١ - ١٦٨ في موضعين) (٢).
فالحق والصواب أن المراد في الآية: عموم الناس؛ لأمور منها:
١ - أن هذا هو ما عليه اختيار جماهير العلماء من المفسرين وغيرهم (٣). ... قال القرطبي: (قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} العصر:٣ استثناء من الإنسان، إذ هو بمعنى الناس على الصحيح) (٤).
٢ - أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولم أجد دليلاً صحيحاً لمن خصه بأسماء معينة (٥)، قال ابن حجر: (تنبيه: لم أر في تفسير هذه السورة - يعني: سورة العصر - حديثاً مرفوعاً صحيحاً) (٦).
٣ - أن الأصل كذلك: بقاء العموم على عمومه حتى يأتي ما يقوى على تخصيصه. قال الشنقيطي: (وقيل: خاص بالكافر، والأول أرجح للعموم) (٧).
(١) معالم التنزيل ٤/ ٤٩١.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٥/ ١.
(٣) سبقت الإشارة إلى عدد منهم، وينظر: غريب الحديث لابن قتيبة ١/ ٦٤٢، البرهان للزركشي ٥/ ٧، أضواء البيان ٦/ ١٣٧.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ٢٠/ ١٨٠.
(٥) ينظر: تفسير السمرقندي ٣/ ٥٩٠.
(٦) فتح الباري ٨/ ٩٤٥، وينظر: تفسير السمعاني ٦/ ٢٧٩.
(٧) أضواء البيان ٦/ ١٣٧.