المطلب الرابع منهجه في الاستنباط
وصل ابن عقيل مرتبة عليَّة، حتى عده العلماء من أهل الرأي والاجتهاد والاستنباط
قال عنه ابن رجب: (وكان ابن عقيل رحمه الله من أفاضل العالم، وأذكياء بني آدم، مفرط الذكاء، متسع الدائرة في العلوم، وكان خبيراً بالكلام، مطلعاً على مذاهب المتكلمين، وله بعد ذلك في ذم الكلام وأهله شيء كثير) (١).
ويقول الذهبي: (وكان بحر معارف، وكنز فضائل، لم يكن له في زمانه نظير) (٢).
وبين ابن عقيل عدم جواز تفسير القرآن بالرأي والاجتهاد الخالي من العلم والنقل؛ للنهي عن ذلك بالأدلة الصريحة، منها: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " (٣).
وأما التفسير بالرأي ممن توفر فيه العلم بالأدلة وكيفية استنباط الأحكام منها لغة وشرعاً فلا حرج عليه.
قال ابن عقيل: (فأما نقل التفسير عن الرواية فقربة وطاعة، وقد فسر أحمد وأول كثيراً من الآي، على مقتضى اللغة) (٤).
وقال ابن تيمية بعد ذكر جملة من الآثار التي تدل على تحرج السلف من التفسير: ... (وهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه، ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد) (٥).
وأما ما توصلت إليه من منهج ابن عقيل في الاستنباط عموماً فأقول فيه ما يلي:
(١) ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٥١.
(٢) سير أعلام النبلاء ١٩/ ٤٤٥.
(٣) أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه (٢٩٥٠)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٤) ينظر: الواضح ٤/ ٦٣.
(٥) مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٧٠.