فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عزّ وجلّ وعونه: أن الذي في حديث ابن عباس من التلاوة قد يجوز أن يكون معناه يرجع إلى ما في حديث عائشة منها، ويكون قوله عزّ وجلّ: {أَنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا} البقرة:١٥٨ في قراءة ابن عباس على الصلة، كما قال عزّ وجلّ: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} الحديد:٢٩. بمعنى: ليعلم أهل الكتاب أن يقدرون على شيء. وكما قال عزّ وجلّ: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} الأنبياء:٩٥، بمعنى: أنهم يرجعون. وكقوله عزّ وجلّ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} الأعراف:١٢، بمعنى: ما منعك أن تسجد.
فيكون مثل ذلك إن كانت القراءة كما روي عن ابن عباس فيها: (أن لا يطوف بهما) بمعنى: أن يطوف بهما على ما في قراءة غيره، وهي القراءة التي قامت بها الحجة التي تضمنتها مصاحفنا.
وقد روي عن أنس بن مالك في تلاوة هذا الحرف مثل الذي روي فيه عن عائشة، كما عن عاصم (١) ٢) قال: (سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة؟ قال: كانتا من مشاعر الجاهلية، فلما جاء الإسلام، أمسكنا عنهما، فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} البقرة:١٥٨، وهما تطوع) (٢)
(١) عاصم هو: أبو عبد الرحمن عاصم بن سليمان الأحول البصري، قال أحمد بن حنبل وابن معين وأبو زرعة وطائفة: ثقة، وكانت وفاته سنة
(١٤٢ هـ) (سير أعلام النبلاء - ٦/ ١٣).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - تفسير سورة البقرة - باب قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}
البقرة:١٥٨ (حـ ٤٢٢٦ - ٤/ ١٦٣٥). ومسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به
- (حـ ٣٠٧٣ - ٩/ ٢٧).