فكان في هذا الحديث إنما دار على ابن عباس، فنظرنا: هل روي عن ابن عباس ما يخالفه أم لا؟ فوجدنا ابن عباس، يقول: إن ناساً من حمير أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه عن النساء، فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} {البقرة:٢٢٣.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج). (١)
ففي هذا الحديث: أن سبب نزول هذه الآية في خلاف السبب المذكور نزولها فيه لما سبقت روايتنا له عن ابن عباس في هذا الباب، والمنع من إتيان النساء فيما سوى فروجهن
ووجدنا عن زائدة بن عمير الطائي، (٢) قال: (سألت ابن عباس عن العزل، فقال: قد أكثرتم، فإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فيه شيئاً، فهو كما قال، وإن لم يكن قال فيه - صلى الله عليه وسلم -، فأنا أقول فيه: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} البقرة:٢٢٣، فإن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا، أي ذلك فعلتم فلا بأس). (٣)
فهذا ابن عباس قد حمل تأويل الآية على خلاف ما روي عنه مما ذكر أن نزولها كان فيه.
ثم نظرنا: هل روي في نزولها شيء عن غير ابن عباس، وعن غير من ذكرنا في هذا الباب سواه؟ فوجدنا .. عن كعب بن علقمة (٤)،
(١) أخرجه الطبري في تفسيره - سورة البقرة - الآية (٢٢٣) - (حـ ٤٣٥١ - ٢/ ٤١٠)
وابن أبي حاتم في تفسيره - سورة البقرة - الآية (٢٢٣) (حـ ٢١٣٠ - ٢/ ٤٠٤).
(٢) زائدة هو: زائدة بن عمير الطائي، كوفي تابعي ثقة (معرفة الثقات -١/ ٣٦٦).
(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب: التفسير - باب: من سورة البقرة (حـ ٣١٠٤ - ٢/ ٣٠٦)
والطبراني في المعجم الكبير (حـ ١٢٦٦٣ - ١٢/ ١٢٥).
(٤) كعب هو: أبو عبد الحميد كعب بن علقمة بن كعب التنوخي المصري، ذكره ابن حبان في كتاب (الثقات) وكانت وفاته سنة (١٢٧ هـ)
(تهذيب الكمال - ٦/ ١٦٨).