وكان من حجة من ذهب إلى أن الأقراء الأطهار أيضاً أن قال: لما كانت الهاء تثبت في عدد المذكر فيقال: (ثلاثة رجال) وتنتفي من عدد المؤنث، فيقال: (ثلاث نسوة)، فقال الله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} البقرة:٢٢٨ فأثبت الهاء، ثبت أنه أراد بذلك مذكراً، وهو الطهر لا الحيض.
فكان من الحجة عليهم في ذلك أن الشيء إذا كان له إسمان، أحدهما مذكر والآخر مؤنث، فإن جمع المذكر أثبتت الهاء، وإن جمع بالمؤنث أسقطت الهاء.
من ذلك أنك تقول: (هذا ثوب، وهذه ملحفة)، فإن جمعت بالثوب قلت: (ثلاثة أثواب) وإن جمعت بالملحفة قلت: (ثلاث ملاحف) وكذلك (هذه دار، وهذا منزل) لشيء واحد.
فكان الشيء قد يكون واحداً يسمى باسمين مختلفين أحدهما مذكر، والآخر مؤنث، فإذا جمع بالمذكر فُعِلَ فيه كما يُفْعَل في جمع المذكر فأثبتت الهاء، وإن جمع بالمؤنث، فعل فيه كما يفعل في جمع المؤنث، فأسقطت الهاء
فكذلك الحيضة والقرء، هما اسمان بمعنى واحد، وهوالحيضة فإن جمع بالحيضة، سقطت الهاء، فقيل: ثلاث حيض، وإن جمع بالقرء، ثبتت الهاء فقيل: (ثلاثة قروء) وذلك كله، اسمان لشيء واحد، فانتفى بذلك ما ذكرنا مما احتج به المخالف لنا.
وأما وجه هذا الباب من طريق النظر، فإنّا قد رأينا الأَمَة جُعِل عليها في العدة، نصف ما يجعل على الحرة. فكانت الأمة إذا كانت ممن لا تحيض، كان عليها نصف عدة الحرة، إذا كانت ممن لا تحيض، وذلك شهر ونصف. فإذا كانت ممن تحيض، جعل عليها - باتفاقهم - حيضتان، وأريد بذلك نصف ما على الحرة، ولهذا قال عمر رضي الله عنه بحضرة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو قدرت أن أجعلها حيضة ونصفاً، لفعلت).
فلما كان ما على هذه الأمة هو الحيض لا الأطهار، وذلك نصف ما على الحرة، ثبت أن ما على الحرة أيضاً، هو من جنس ما على الأمة، وهو الحيض لا الأطهار.