الترجيح: قوله تعالى: (سراً) هذا اللفظ محتمل لجميع المعاني المتقدمة، لأن الإسرار خلاف الإعلان، ولأن هذا اللفظ (السر) يكنى به عن الجماع حلاله وحرامه. (١)
قال الشاعر امرؤ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وألا يحسن السر أمثالي. (٢)
أي: ولا يحسن الجماع أمثالي.
وقال الشاعر الأعشى:
فلا تقربن جارة إن سرها ... عليك حرام فانحكن أو تأبدا (٣)
أي: إن جماعها عليك حرام.
قلت: وأظهرت هذه الأقوال وأولاها بمراد الآية- مع احتمالها لجميع هذه الأقوال- قول الجمهور القائلين إن المراد بالآية: هو أن يأخذ الرجل على المرأة المعتدة عهداً أن تحبس نفسها عليه ولا تنكح زوجاً غيره.
وذلك لأن الله جل ذكره، حرم عقد النكاح في العدة، فكذلك إعطاء الوعد والعهد عليه.
وأما التعريض للمرأة وهي في العدة بأن يقول: (إني في مثلك لراغب، وإن قضي شيء كان)، وما أشبهه من الكلام، مما يدل على رغبته فيها، فلا بأس به إذا لم يصرح. (٤)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الصواب في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)} البقرة:٢٣٦
(١) انظر: المفردات للراغب الأصفهاني، (مادة: سرر) (٢٢٨). ولسان العرب، (مادة: سرر) (٤/ ٣٥٨).
(٢) ديوان امرؤ القيس (١٥٤).
(٣) ديوان الأعشى (١٣٧).
(٤) المغني لابن قدامة (٩/ ٥٧٢).