وقال قائلون من أهل العلم سواهم: إن المتع في هذا محضوض عليها، مأمور بها، غير مجبر عليها، وممن قال ذلك منهم: مالك بن أنس، وخالف الآخرين الذين ذكرناهم في ذلك، لأن أولئك يوجبونها، ويجبرون عليها، ويحبسون فيها، وكان الأولى مما قد قيل في ذلك عندنا - والله أعلم - الإيجاب لها، والحبس فيها، لأن التزويج وقع بلا تسمية صداق أوجب لها صداق مثلها على زوجها، كما أوجب ملك بضعها لزوجها، فلما وقع الطلاق قبل الدخول، أُسقط عن الزوج نصف الواجب عليه قبل الطلاق مما قد كان محبوساً في جميعه لو لم يطلق، فإذا طلق، فسقط عنه بالطلاق نصفه، بقي النصف الباقي عليه كما كان عليه قبل ذلك من فروضه إياه، وأخذه به، وحبسه فيه، كما إذا سمى لها صداقاً، ثم طلقها قبل دخوله بها، فزال عنه نصفه، يكون النصف الباقي لها عليه على حكم كله الذي كان لها عليه قبل الطلاق من لزومه إياه لها، ومن حبسه لها فيه.
وقد رويت عن المتقدمين آثار في المتع بالطلاق نحن ذاكروها في هذا الباب إن شاء الله، فمنها:
أن رجلاً خاصم إلى شريح (١) في متعة امرأته، فقال شريح: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ البقرة:٢٤١} فإن كانت من المتقين، فعليك متعة. ولم يقض به.
ومنها. عن سعيد بن جبير، (٢) قال: لكل مطلقة متعة وعن الحسن (٣) مثله.
(١) شريح هو: أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس الكندي، من كبار التابعين، وأدرك الجاهلية، واستقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة، وكانت
وفاته سنة (٨٧ هـ) (وفيات الأعيان-٢/ ٤٦٠).
(٢) سعيد هو: أبوعبد الله سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، كان فقيهاً ورعاً من الطبقة الثالثة، كان من أعلم التابعين بالتفسير، وكانت وفاته سنة
(٩٥ هـ) (وفيات الأعيان-٢/ ٣٧١).
(٣) الحسن هو: أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري، كان إماماً في العلم والعمل، وهو تابعي من الطبقة الثالثة، وكانت وفاته سنة (١١٠ هـ)
(طبقات المفسرين-١/ ١٥٠).