وفي الحقيقة أن هذه الأقوال المتعددة تعتمد على مجرد الاجتهاد والتخمين، وتفتقدالدليل الدال على أن المراد بالآية هو هذا القول دون غيره، خلا القول أن المراد بها صلاة العصر، ومع ذلك فسأذكر للقارئ بعض هذه الأقوال والتي هي أقرب للصواب من غيرها:-
القول الأول: أن المراد بالصلاة الوسطى: صلاة الصبح.
- وهذا قول: علي بن أبي طالب - وابن عباس - وابن عمر - رضي الله عنهم.
وإليه ذهب: الإمام مالك - والشافعي. (١)
وسميت وسطى: لأنها وسطى بين صلاتين من صلاة الليل، وصلاتين من صلاة النهار.
ولأنها وسطى بين سواد الليل وبياض النهار. (٢)
- ودليل هذا القول: قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} البقرة:٢٣٨ فقرن الله جل وعلا هذه الصلاة بالقنوت، وليس في الشرع صلاة ثبت القنوت فيها إلا صلاة الصبح. (٣)
الرد على هذا الاستدلال: أن في المراد بالقنوت في الآية عدة أقوال منها:
١ - المراد بالقنوت: الدعاء - وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه.
٢ - المراد بالقنوت: الخشوع - وهو قول مجاهد، والربيع.
٣ - المراد بالقنوت: مصلين أو عابدين - وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنه.
٤ - المراد بالقنوت: طول القيام - وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنه.
ومن ذلك قوله جل وعلا: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} الزمر:٩.
٥ - المراد بالقنوت: السكوت - وهو قول ابن مسعود - وزيد بن أرقم - رضي الله عنهم.
قال زيد بن أرقم رضي الله عنه: (كنا نتكلم في الصلاة فيكلم أحدنا صاحبه فيما بينه وبينه، حتى نزلت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} البقرة:٢٣٨، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام).
(١) انظر تفسير السمعاني (١/ ٢٤٣) وعارضة الأحوذي (١/ ٢٩٥).
(٢) معاني القرآن للنحاس (١/ ٢٣٨).
(٣) تفسير الماوردي (١/ ٣٠٩).